الزمن الجميل البديع المنصرم ناتج احتلال دام قرونا تركوا لنا عمالقة الفن والفن الجميل فى تهيئتنا لما نحن فيه من جمال
أثر نحن فيه مختلفين الهوى والأهواء فهل لنا من سبيل كى نحكم حكما صادقا على ما كان وما نحن فيه أم سترى للهوى فينا شجونا محمد توفيق
يجهله الجيل الحالي بالطبع، لكن الدارسين لعلم التمثيل والأداء الحركي يعلمون قيمته عن ظهر قلب، وينهلون من كتبه الأكاديمية
المتخصصة، أما أجدادنا الذين كانوا مولعين بالمسلسلات الإذاعية فيدينون له بالعرفان على مجموعة من أرقى
كانت ملامح محمد توفيق توحي بالكبر حتى في سنوات شبابه مثله في ذلك مثل الفنان عبد الوارث عسر ما أهله في وقت مبكر للقيام بدور الاب.
اسمه محمد حسن توفيق المنصوري العجيزي.. وشهرته محمد توفيق ولد يوم 24 أكتوبر عام 1908 في مدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية.
انتقل مع أسرته للعيش في مدينة حلوان بالقاهرة، ودخل المدرسة الابتدائية، وهناك عشق التمثيل، وامتد حبه له مع دخول مدرسة “الثانوية الملكية”
التي أصبح اسمها “الخديوية” فيما بعد، وتعلم قواعده وأصوله على يد الفنان أحمد علام.
التحق بالمدرسة التجارية العليا “كلية التجارة”، لكن حبه للتمثيل وتأثره بصديقه السيد بدير دفعه للتحويل إلى معهد التمثيل الذي كان تابعًا لكلية الآداب فور تأسيسه
نضم إلى عدد من الفرق المسرحية مثل فرقة “عبد الله عكاشة” و”عزيز عيد” و”جورج أبيض” و”خليل مطران”،
وصولًا إلى فرقة “المسرح الحديث”، ومن ثم انضمامه للفرقة القومية في عام 1935، وفق ما أشارت إليه “أخبار اليوم”.
علاقته بالميكروفون بدأت حينما عمل بالإذاعة الأهلية، إلى أن تقدم بطلب الانضمام للإذاعة المصرية الحكومية فور افتتاحها في عام 1934،
وقتما كان عضوًا بالفرقة القومية، واتفق معهم مدير الإذاعة آنذاك “قابل عزيز” على تقديم سهرة درامية إذاعية مقابل 150 قرشا للفرقة ككل،
وفق ما ذكره الراحل في حوار إذاعي نادر مع الإعلامية عواطف البدري.
سافر مع بداية الحرب العالمية الثانية لدراسة التمثيل في إنجلترا، وھناك تتلمذ على ید الممثل العالمي “لورانس أولیفیی
” و”مایكل ردجریف” والمخرج المسرحي “تیرون”، ثم عمل مخرجًا بالقسم العربي بالإذاعة البریطانیة BBC، فشارك في عدد من
التمثيليات الإذاعية العالمية، حتى أصبح كبير المخرجين في القسم العربي عام 1947.
عاد إلى القاهرة للعمل في الإذاعة المصرية مرة أخرى بعد حصوله على جواب تعيين من مدير الإذاعة شخصيًا، الذي أُعجب
به أثناء زيارته المملكة المتحدة، فقدم عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية الإذاعية أهمها “سعد اليتيم” و”روايح” و”نعسة”، و”حسن ونعيمة”
الذي حقق نجاحًا واسعًا، أشار إليه الراحل في حوار إذاعي سابق قائلًا: “حدث مرة وأن توقف سائق الأتوبيس للاستماع إلى مسلسل حسن
عمل كمساعد مخرج لاستيفان روستي في فيلم “الورشة”، إلى أن رشحه المخرج نيازي مصطفى لأول أدواره السينمائية في فيلم “مصنع الزوجات” مع محمود ذو الفقار،
وبعدها توالت أفلامه وبلغ عددها مائة فيلم، منها “ابن البلد” و”شهداء الغرام” و”السوق السوداء” و”معلهش يا زهر” و”لك يوم يا ظالم” مع فاتن حمامة ومحسن سرحان،
و”شيء من الخوف”، كما كان من أوائل الفنانين الذين قدموا شخصية “المدمن” بإتقان شديد في فيلم “الأخ الكبير”، حتى إنه ذكر في حوار صحفي أنه ذهب إلى قسم شرطة
لاستئذان المأمور بتعاطي مخدر “الأفيون” من أجل الإحساس بإتقان الدور، فنهره مأمور القسم وحذره من القبض عليه إذا ما فعل ذلك، ما اضطره للذهاب إلى مصحة علاج
الإدمان لمعايشة الدور على أرض الواقع.
امتدت مسيرته الفنية لنحو 62 عامًا، وصل خلالها عدد الأعمال الفنية التي شارك بها لأكثر من 150 عملا بين سينما
ومسرح وتليفزيون، حيث كان له نصيب من المسلسلات التليفزيونية، من أشهرها: “هند والدكتور نعمان”، و”أبو العلا البشري”،
و”ما زال النيل يجري” و”يوميات ونيس”.
أسهم في إنشاء جمعية ومجلة “أنصار التمثيل”، وعمل كأستاذ جامعي في تدريس نظريات التمثيل وفن التعبير الحركي، وتعلم
على يديه العديد من الفنانين في مصر والعالم العربي، ومنهم الفنانة كاميليا التي تعلمت منه اللغة العربية.
نال عدة جوائز وأوسمة وشهادات تقدير، فقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1967،
وكذلك حصل على نفس الوسام في أكتوبر من عام 1979، بجانب شهادات تقدير من وزراء الإعلام، كما نال شهادة تقدير من إسبانيا
عن فيلمه “الرجل والحصان”، بجانب تكريمه من ألمانيا على دوره “ابن صبيحة”، إلا أنه عاش حزينا من فقده التكريم الذي يستحقه
في مصر عن هذا الدور، فقال في حوار صحفي سابق: “لو قدمت دورا مثل دوري في فيلم لك يوم يا ظالم في أمريكا لحصلت من خلاله على الأوسكار”.
انسحب من إحدى مسرحيات الفنان محمد نجم بعد خروج ممثلة عن النص المكتوب بطريقة مبتذلة لا تتوافق مع روح المسرح،
الأمر الذي دفعه للانسحاب المفاجئ أمام الجمهور رغم توسلات أعضاء الفرقة.
أوضحت الفنانة الراحلة كريمة مختار في حوار سابق مع الإعلامية صفاء أبو السعود على شاشة راديو وتليفزيون العرب “ART”
نه تردى به الحال ماديا قبل وفاته، وكان مستعدا لقبول دور مريض لإعانة نفسه، وذلك حينما سألتها الإعلامية عن خوفها
من البطالة الفنية، وإسناد أدوار تليق بالفنانين.
توفي الفنان محمد توفيق شيخ الممثلين في 27 مارس 2003 عن عمر ناهز 95 عامًا، بعد أن دخل في صراع مع المرض
دام أكثر من عامين، وشارك في تشييع الجنازة التي خرجت من مسجد مصطفى محمود مجموعة كبيرة من الفنانين وأهل وأصدقاء الفنان الراحل..