العاصمة

الجاسوسة داليا الخبيثة

0

إيمان العادلى

الجزء الثاني

من ملف المخابرات المصرية

عاشت داليا أربعة أعوام فى مرسى مطروح كنسمة حلوة هادئة عطرة يفوح شذاها ليملأ المكان 00 وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 بدأ الضباط يفدون على المدينة وقدمت جيوش بريطانية ومصرية لتكون قرب الحدود المصرية مع ليبيا وكانت النازية بقيادة هتلر فى ألمانيا شبيهة بالفاشية بقيادة موسولينى ومن المتوقع أن تعلن إيطاليا إنضمامها إلى ألمانيا فى الحرب وهما طرفا المحور ضد إنجلترا وفرنسا وبقية دول الغرب وهى دول الحلفاء 0

وإزداد الإقبال على فندق داليا بضيوف عسكريين ومدنيين تستعين بهم الجيوش فى الكثير من أعمالها وإمتلأ الفندق بالرواد وكذلك المقهىالملحق به وصار ملتقى للقادمين يسمرون ويتحدثون ويستمعون إلى الأخبار من خلال مذياع كبير وضعته داليا فى صدر المكان 0

وكان واضحا أن الفتاة قد ربحت الكثير وعندما كانوا يداعبونها بذلك لم تكن تعلق أو تعقب والحقيقة أنها كانت قليلة الكلام ولاتحب الثرثرة وترد على ضيوفها فى رقة وأدب ولكن بإيجاز وإقتضاب وما طرح عليها سؤال عن ماضيها أوبلدها إلا وتهربت من الرد عليه بلباقة 00 مرة تدعى النسيان وأخرى تهمس بأن ذلك ماض وإنتهى ولم يستطع حب الإستطلاع عند أهالى مرسى مطروح أو ضيوفها أن يصل إلى أى شيء عنها ولم يزرها أحد بعد إنقطاع المواصلات بسبب الحرب وما كان هناك مصدر يمكن عن طريقه أن يتلقوا معلومات عن هذه الفتاة الغامضة اللطيفة الجميلة الباسمة أبدا والتى تتفانى فى خدمة زبائنها بأدب ورقة وتقربوا منها فلم تصدهم بل أنها أفسحت صدرها لهم وباتت صاحبة للكثير من الرواد وصديقة لعدد كبير منهم خاصة من يفد من الأسكندرية وقد تلقت الدعوات من كثيرين لكى تزورهم إذا هى فكرت فى النزول إليهم 0

وكان من بين الذين تعرفوا عليها وأنست لهم وأنسوا لها عائلة ( اليوزباشى طيار حسن ) ولم يتركوها إلا بعد أن أعطوها عنوانهم وأعطتهم وعدا قاطعا بأنها ستزورهم يوما ما ورحبوا بذلك ترحيبا كبيرا 0

وفجأة فى إبريل 1940 صدرت الأوامر بإخلاء مرسى مطروح لتصبح مدينة عسكرية ليس مسموحا للمدنيين بالإقامة فيها 00 وقلق البعض من أجل داليا بينما لم يبد عليها هى أى إنزعاج إذ أصبح لديها من المال ما يمكنها من الحياة فى الأسكندرية ولديها أوراقها الرسمية التى تتيح لها البقاء فيها لذلك أغلقت الفندق ومضت إلى الثغر الجميل ومعها عناوين أصدقاء كثيرين ترددوا عليها وأقاموا صلة حميمة معها 0

إتصلت داليا بمنزل اليوزباشي طيار حسن وهللت أسرته لها ورحبت بها وطلبت إليها أن تأتيهم فى التو واللحظة وعندما وصلت قوبلت بحفاوة كبيرة وإستقبال كريم وراحت تحكى لهم عن الظروف الصعبة التى تمر بها فقد إضطرت إلى أن تغلق أبواب فندقها الصغير فى مرسى مطروح وليس لها من عمل أو عائل وإدعت أنها ( تركية ) وأن أوراقها الرسمية قد ضاع أغلبها فوعدوها بالمساعدة والوقوف بجانبها 0

إصطحب اليوزباشي طيار حسن ضيفتهم إلى كليوباترا حيث قام بإستئجار شقة صغيرة لها بالطابق الأرضى لم يكن يعلوها إلا طابق واحد غير مسكون يأتى إليه أصحابه صيفا وهو خال طوال العام منذ قامت الحرب وتوالت الغارات على المدينة 0

وبعد بضعة أيام كانت شقتها مجهزة بما يمكنها من العيش فيها كما أن الضابط طيار حسن تمكن من إلحاقها بالعمل لدى إحدى الشركات وساعدها على التفوق إتقانها للغة العربية وعدة لغات أخرى 0

وبدأت الحياة تطيب للفتاة فى الثغر الجميل تحت رعاية أسرة اليوزباشي طيار حسن وقد بسطت العائلة جناحيها على الفتاة فلم تعد تشعر بالغربة ولم يكن يعكر صفو أيامها إلا تلك الغارات المستمرة التى عانى منها أهل المدينة إذ كانت الطائرات الألمانية تمطرها بقنابلها ليلة بعد ليلة وأصبحت صفارة الإنذار تنطلق عدة مرات يوميا ولقيت المدينة وسكانها متاعب لا حد لها مع أن مصر لم تكن عدوا لألمانيا ولا هى أعلنت الحرب عليها لكن هذه الغارات كانت مبررة من جانب قوات المحور على أنها تستهدف القوات البريطانية التى عليها أن تغادر مصر وتجلو عنها لا لتحرر بل من أجل أن يحتلها الألمان وكأنما كتب على هذا البلد العظيم أن يقع أسيرا فى يد القوات الأجنبية التى عانى منها طويلا عبر تاريخه فمن الهكسوس للحيثيين للفرس لليونان للرومان للمماليك للعثمانيين للفرنسيين وأخيرا للإنجليز 00 وهاهم الألمان يتطلعون إلى إحتلالها وإستعمارها بعد إخراج الإنجليز منها وإجلائهم عنها 0

إشتدت الغارات لكن داليا كانت لا تخافها ولا تخشاها بل لقد مضت يوما إلى شارع الكورنيش لترى مشهدا فريدا 00 لقد ضرب الألمان المدينة بقنابلهم وإذا بواحدة منها تنفجر فى عربة كانوا قد فصلوا عنها حصانها قبل لحظات وكان القصف شديدا إلى حد أن العربة طارت فى الهواء وإستقرت فى شرفة بالطابق الثالث لعمارة تواجه البحر مباشرة 00 وقدم أهل المدينة ليشاهدوا المنظر المثير وإلتقطت لها الصحف الصور وصار الناس يتندرون بهذه الحكاية المثيرة 00 وكانت داليا بين الذين أذهلهم هذا المنظر حين ذهبت لمشاهدته بصحبة اليوزباشي طيار حسن وعائلته 00 وكم لعنت داليا الألمان وطائراتهم على فعلتهم السخيفة 0

يتبع غدا إن شاء الله

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading