” التفكك الأًسري ” في المجتمعات العربية
علاء حمدي
بقلم د : طراد علي بن سرحان الرويس
اصبحت قيمة الترابط الأسري للأسف باتت مفقودة في كثير من مجتمعاتنا العربية، بعد أن كانت تلك المجتمعات مضرب المثل في هذه القيمة الرائعة. وللأسف اختلطت قيمة الترابط الأسري بمفاهيم أخرى مثل التطفل والتدخل في شؤون الغير، وهذا أمر مختلف، لم تكن أبدًا قوة الترابط الأسري ضربًا من ضروب هذه الصفات المستهجنة، وإنما هي دومًا من الصفات المستحسنة.
و الرابط الأسري هو ما يضمن للمجتمع الصغير الخاص بكل أسرة وعائلة أن يجد كل فرد منها من يساعده على تأدية الأمور التي يحتاج إليها، ألا يبقى وحيدًا في هذا العالم يصارع كل شيء بمفرده، ألا تنفتح عليه كل الجبهات دون رحمة. لذلك يجب على الأبوين أن يدركا المسؤولية التي ستكون فيما بعد دخول عش الزوجية وأن الحياة بعد ذلك يجب أن تبنى على أسس صحيحة ومنظمة وإلا يهلك كل فرد داخل هذه المنظمة الصغيرة.
تعتبر مشكلة التفكك الأُسري، من إحدى أكبر المشكلات التي بدأت تغزو بيوتنا العربية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يستلزم الوقوف علي اسباب التفكك الأسري، ولنقف على تعريف التفكك الأسري، وأسبابه، وأثره على المجتمع، وعلى الأبناء، والحلول الممكنة لتجنّبه. ويمكن أن نعرف التفكك الأُسري، بأنه بُعد أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم بعضاً، وعدم ارتباطهم بالأحاسيس والمشاعر والأفعال. ويؤثر التفكك الأسري على أفراد الأسرة جميعهم، خاصة الأبناء، وكذلك على المجتمع .
لا بد من وجود أسباب حقيقية تؤدي إلى انتشار ظاهرة التفكك الأًسري، الأب الحاضر الغائب: هناك صورتان للأب الحاضر الغائب، الأولى هي صورة الأب المنهمك بالعمل الذي لا يجد وقتاً ليقضيه مع أسرته ولا يجد وقتاً ليقدم المعونة المعنوية أو المساعدة لزوجته، وأما الصورة الثانية فهي صورة الأب المهمل الذي يعتقد أن دوره ينتهي عند تأمين حاجات الأسرة المالية ويقضي وقته مع أصدقائه، وفي الحالتين يتسبب غياب الأب عن أسرته بهذه الصورة بمشاكل كثيرة.
والأم الحاضرة الغائبة: فالمرأة المنشغلة بعملها عن أسرتها، قد لا تمنح الزوج العناية بشؤونه الخاصة واحتياجاته. كذلك المرأة المنشغلة بكثرة لقاءات صديقاتها، متناسية دورها كزوجة وأم، وما يحتاجه زوجها وأطفالها منها من العناية والحب. وصراع الأدوار: وهو من أهم مسببات التفكك الأسري، حيث يتمثل بتنافس الزوج والزوجة ليحل أحدهما مكان الآخر
وسائل الاتصال الحديثة: بطبيعة الحال فإن إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو إدمان ألعاب الفيديو بات يتحكم بعلاقاتنا الأسرية بشكل كبير، فعلى الرغم من أهمية الإنترنت والتقنيات الحديثة في عالمنا إلا أن إساءة استخدام هذه التقنيات من شأنه أن يكون سبباً وجيهاً للتفكك الأسري.
الخدم: أصبحت الخادمة تحل محل الزوجة في كافة أمور المنزل، كالتنظيف والغسيل، وحتى الطبخ ورعاية الأطفال أحياناً، لنجد أن الزوج يرجع من عمله، فتستقبله الخادمة وتقدم له الطعام، وتحل الخادمة محل الأم في رعاية الأطفال، وتقديم الحنان والحب لهم، مما يتسبب في ظاهرة التفكك الأسري. وكذلك أصبح السائق يحل محل الزوج أحياناً، فيقوم بخدمة توصيل الأم والأطفال إلى أي مكان، وهو المرافق لهم عوضاً عن الأب.
الوضع الاقتصادي للأسرة: يتسبب الوضع الاقتصادي للعائلة سواء بحالة الثراء أو الفقر في نشوب حالة من التفكك الأسري، فنجد الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم، وفي حالة الفقر نجد الأب غير قادر على توفير احتياجات أسرته، وقد يلجأ إلى طرق غير شرعية لتأمين حاجياتهم، مما يسبب التفكك الأسري.
وظاهرة التفكك الأسري لها آثار على المجتمع حيث يؤثر التفكك الأسري في العديد من القيم الحسنة الموجودة في المجتمع، كما يؤثر على مفاهيم المودة والرحمة والتعاون والمسامحة ومساعدة الآخرين. كذلك فإنه يولد إحباطاً شديداً في نفس الفرد، مما يجعله يوجه اللوم للمجتمع؛ لعدم مساعدته على وقف الظروف التي أدت لتفكك أسرته، فنجد الفرد يتمرد على القيم الموجودة في المجتمع من حب ومودة واحترام وتعاون ومساعدة للآخرين.
كما يؤثر التفكك الأسري على الأبناء فغالباً ما يقع الأبناء ضحية التفكك الأسري وسوء العلاقات بين الزوج والزوجة، وهنا سنعرض الآثار السلبية للتفكك الأسري على الأبناء ويتسبب التفكك الأسري بضعف شعور الأبناء بالأمان والاستقرار داخل الأسرة. قد يلجأ أحد الأبناء إلى تحقيق الأهداف المرجوة بطرق غير مشروعة بسبب التفكك الأسري، حيث تتغير المبادىء والمفاهيم لديه، ليصبح المحرم مشروعاً. ويتسبب التفكك الأسري في عيش الأبناء في حالة مستمرة من الاضطراب والقلق، حيث أن غياب الأب أو الأم بشكل مستمر يفقد الأبناء الأمان، ويسبب انعدام الأمان. وهناك علاقة وثيقة بين تشرد الأطفال والتفكك الأسري، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن أغلب الأطفال الذين كان مصيرهم الشارع، كانوا في الأساس يعانون من التفكك الأُسري. قد يتسبب التفكك الأسري في حالة من العدائية عند الأبناء.
والترابط الأسري له العديد من المميزات فهو يساعد بشكل كبير على تحسين نفسية الأطفال ، ويجعلهم يشعرون بالانتماء ، فهو يعمل على تعزيز ثقة أفراد الأسرة بأنفسهم ويعمل على تعزيز ثقتهم بمن حولهم ، ويؤسس لوجود أفراد منتجين لديهم حماس للعمل وقدرة على انجاز كافة المهام بشكل مميز، و يخلق أفراد لديهم قد عالي من الأمانة ، كما كذلك يعمل على زيادة الاهتمام والتركيز في الدراسة والمذاكرة لدى ابناء هذه الأسرة ، ويجعلهم يشعرون بالفخر بالانتماء لعائلتهم مما يزيد حبهم لبعضهم البعض. كما أن الترابط الأسري هو من أوامر الله عز وجل لان الله قد حثنا على صلة الرحم وحسن معاملة الأبوين لذا فأن الترابط الأسري من الأشياء التي ترضي الله بشكل كبير ويعمل على ترسيخ السلام والأمن والطمأنينة بين أفراد والأسرة والمجتمع ، ويوفر مناخ صحي وسليم يساعد في بناء مجتمع حضاري ومتقدم
الدين هو الوسيلة الأولى لتحقيق المراد من ايجابيات الأمور والبعد عن أي من مخاطر حياتية. الدين هو الركيزة التي يجب أن تبنى على أساسها الأسرة، ويكون استخدام الدين في تحقيق أسرة متوازنة بأشكال متباينة. القيام باختيار الآخر بشروط يكون أولها الدين، فإن الزوج الصالح والزوجة الصالحة. وجوب إدراك كيف يخوضون في أمر الزواج بما يرضي الله حتى يعود ذلك عليهم بنتائج جيدة ترمي إلى تعزيز ناحية الترابط الأسري. يجب على الأبوين تربية أبنائهم على العقيدة الصحيحة وحسب تعاليم الدين الإسلامي. غرس بداخلهم الضمير الذي يعتمد على أوامر ونواهي الدين. توعي الأبناء بما عليهم من الواجبات والحقوق سواء تجاه آبائهم أو إخوتهم وبذلك تكون العلاقة أقوى وأكثر ترابطاً.
التفكك الأسري مرض من أمراض المجتمع، ولا بد من دواء شافٍ، وهنا نعرض لكم بعض الأساليب التي قد تكون مجدية في سبيل حل مشكلة التفكك الأسري: على الأم والأب السعي الدائم لتقوية العلاقة بينهما، وحل مشكلاتهما بأسلوب راقٍ، بعيداً عن العنف والصراخ. وجود الوالدين العاطفي والنفسي والروحي والجسدي بين الأبناء، وتخصيص وقت خاص؛ لمعرفة مشاكل الأبناء واهتماماتهم وحاجاتهم. على الأهل أن يكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم في كافة المجالات. مراقبة الأبناء ومحاسبتهم عند الخطأ، وتقديم النصح اللازم لهم. تقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الأبناء، وتربيتهم تربية صحيحة صالحة. الاهتمام بالجانب العاطفي والنفسي للأبناء. يقع على عاتق الدولة دور كبير في التوعية لأهمية الترابط الأسري والتربية الصحيحة من خلال الدورات المجانية والإعلانات والبرامج التلفزيونية.كما يقع على الإعلام دور مهم أيضاً في تثقيف الأسرة والمجتمع من خلال البرامج التربوية والاجتماعية.