التعامل مع القلق في زمن الكورونا كوفيد ١٩
إيمان العادلى
قليل من القلق لا يضر
نعم ، قليل من القلق لا يضر
فالقلق البسيط قد يكون وسيلة من وسائل التهيؤ والاستعداد للتعامل مع المواقف المختلفة التي نواجهها، نعم ،قليل من الخوف والقلق قد يفيد ومن أشهر الأمثلة لذلك ( قلق الطالب وخوفه من الامتحان مما يجعله يتهيأ ويستعد بأفضل صورة ممكنة، ما يسهل في تحسين أدائه في الامتحان ،أو القلق المصاحب لمقابلة مهمة( مقابلة عمل او ما يشابه) يدفع الشخص للاستعداد والتجهيز مما يساهم في تحسين أدائه.
اما اذا زاد القلق عن الحد ( زادت جرعة الخوف والتوتر، وإذا ارتبط ذلك الخوف بمجهول يهدد الحياة ،وإذا استمر لفترة أكبر واتسعت أعراضه لتشمل اعراضا نفسية والتوتر الدائم وسرعة الاستثارة والتفكير الزائد في موضوع القلق والانزعاج من الأصوات و توقع الأسوأ دائما والخوف الدائم المبهم الذي لا يمكن السيطرة عليه او امتد ذلك ليشمل ويصاحب أعراض جسدية كشدة العضلات وتوترها والرعشة او التعرق مع الشعور باضطراب وتسارع ضربات القلب وصعوبة التنفس والشعور بصفة الحلق او ألام بالمعدة او ارتخاء بالجسد والأطراف ، في هذه الحالة قد يكون القلق معيقا ويؤثر على الأداء الوظيفي والحياتي للشخص ومن حوله مما يضعنا في دائرة القلق النفسي المرضي الذي يحتاج للمساعدة المتخصصة من قبل الطبيب النفسي او المعالج النفسي .
وللتوتر و القلق الزائد تأثير كبير على المناعة وقدرة الإنسان على مقاومة الأمراض حيث العقل ( بالوظائف النفسية المختلفة من أفكار ومشاعر وسلوك ) والجسد يرتبطان ارتباطا وثيقا. ومع الضغوط النفسية والمخاوف المتزايدة والقلق . الخوف من مجهول ثقيل الوطأة- مرض صعب مباغت، لا تعلم من اين قد يصلك وقد يكون قاتلا – مع ندرة ذلك إحصائيا- (عدو لانراه ) يتعاظم هذا التأثير المتبادل بين الحالة النفسية والصحة الجسدية.
تأثير الحجر الصحي والتباعد والانعزال الاجتماعي على الفرد والأسرة والمجتمع :
الانسان كائن اجتماعي بطبعه والعلاقات الأسرية والإجتماعية تمثل ركنا أساسيا في الصحة النفسية والعقلية و في قدرة الإنسان على التعامل مع الضغوط والقلق ،كما أنها تحسن من أدائه الذهني والمعرفي وتنعكس بشكل كبير على صحته الجسدية والعضوية أيضا، حيث تدعم الجهاز المناعي وتقويه و وتساعده في التعامل مع ما يستجد من أمراض.
وهاكم بعض النصائح الموصى بها للتعامل مع القلق بشكل عام ومع الظروف الحالية المرتبطة بفيروس كوفيد١٩ (كورونا) وما نتج عنه من تعليمات بالتباعد والعزلة الاجتماعية بشكل خاص:
النصيحة الأولى ودائما هي محاولة الحد من وتقليل التعرض للأخبار والمتابعة المستمرة لأعداد الإصابات و الوفيات ومعدلات انتشار المرض وما شابه ذلك من أخبار صارت للأسف البنود المفضلة لوسائل الإعلام والسوشيال ميديا حاليا ، فذلك يزيد من الضغوط ومن القلق يستنزف الشخص وطاقته النفسية بشكل كبير دونما جدوى او فائدة إيجابية تذكر ( اللهم إلا لأخذ الاحتياطات اللازمة للحماية الشخصية وتحمل التباعد الاجتماعي والصبر على العزلة مما يقلل باذن الله من انتشار الوباء) .
النصيحة الثانية :
ان نستغل فترة الحظر والعزل المجتمعي في زيادة التواصل الأسري ومحاولة تحجيم وتنظيم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية ما أمكن وإعطاء مساحة أكبر للمشاركة في الأنشطة المنزلية، الألعاب المنزلية، مشاهدة فيلم جميل أو مسلسل مفضل ، استعادة الذكريات الأسرية وتصفح ألبومات الصور ،تجهيز وجبة عائلية محببة يتشارك الجميع في إعدادها وتناولها ،مناقشة بعض الأمور العائلية لخلق مساحة لاستعادة أواصر الود والمحبة والمواجودة والتعاون بين أفراد الأسرة وإضفاء جو من المرح والبهجة .
النصيحة الثالثة :
تنظيم الوقت ومحاولة استغلاله والاستفادة منه بأفضل ما يمكن في الدراسة أو العمل من المنزل – ممارسة الهوايات المحببة للنفس ومشاركتها مع الآخرين-التواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء خارج أفراد الأسرة الصغيرة ودعم من يحتاج منهم للمساعدة- المشاركة في الأعمال التطوعية والإنسانية والأعمال الهادفة إلى نشر الوعي الصحي والمساندة المجتمعية لمن يحتاجها .
النصيحة الرابعة :
الحفاظ على نمط حياة صحي يشمل :
– النوم الباقي بشكل كاف والحفاظ على توازننا البيولوجي وساعتها البيولوجية
– التغذية الصحية المتوازنة والبعد عن الوجبات السريعة عالية الدهون المهدرجة والمشويات وتناول الخضروات والفاكهة الطازجة بكميات مناسبة
– ممارسة الرياضة والحفاظ على اللياقة البدنية ما أمكن (بعض التمارين المنزلية البسيطة ويا حبذا لو تشاركها أفراد الأسرة معا ) والنشاط البدني يسهم في تحسين الحالة النفسية والصحة الجسدية.
هذه نصائح عامة نستفيد منها جميعا وتساعد في تحسين جودة الحياة وتزيد من قدرتنا على مواجهة الضغوط عموما والضغوط المفروضة علينا حاليا وبشكل متزايد مع استمرار ظروف العزلة الاجتماعية في ظل مواجهة وباء كوفيد١٩. فماذا عن هؤلاء الذين يعانون مسبقا من أعراض نفسية تتطلب المساعدة المتخصصة كاضطراب القلق النفسي العام او الوسواس القهري :
بالإضافة لما سبق من النصائح العامة أنصحكم بما يلي :
-مواصلة الخطط العلاجية السابقة والمقترحات من قبل الطبيب النفسي او المعالج النفسي المختص . فالانتظام على العلاج الدوائي الموصوف او الاستمرار في جلسات العلاج النفسي ، وقد استحدثت منذ فترة -وتزايد استخدامها الآن- الكثير من وسائل العلاج الافتراضية عبر العديد من المواقع والتطبيقات فيما يسمى بال Teletherapy او الVirtual therapy .
فاستمرار التواصل مع المعالج والحفاظ على العلاقة العلاجية لها أثرها الكبير الداعم لاستمرار مسيرة التحسن والاستقرار النفسي ويزيد من القدرة على مواجهة القلق والضغوط المستجدة. واستخدام هذه التطبيقات والوسائل العلاجية عبر الوسيط الافتراضي هو محل بحث ودراسات وتقييم وتطوير حاليا خصوصا في مجال العلاج النفسي عن بعد .
-الوعي وفهم ان ازدياد بعض الهواجس والأفكار المتعلقة بانتشار المرض أو التلوث أو نقل المرض أو الإصابة به لا قدر الله هو أمر وارد خلال هذه الفترة وعلينا فقط الالتزام بالتعليمات المحددة والواضح دون إفراط أو تفريط بأخذ الاحتياطات الصحية الأساسية للحفاظ على النفس وعلى الآخرين ( ويتقلل من ذلك كثيرا تقليل التعرض الزائد والتقصير المبالغ فيه للمعلومات عن الوباء وانتشاره وضحاياه) .
– المحافظة على الهدوء والسكينة والتوازن النفسي حسب اهتمامات الشخص وميوله و توجهاته الروحية والعقيدة والفنية من خلال الطقوس الدينية والروحية ، الموسيقى ،التفكير المتمعن في النعم المختلفة والتمتع بالمتاح في اللحظة الأنية الراهنة و إضفاء جو من المرح والبهجة على الأنشطة اليومية الاعتيادية .
– الاستمرار في او تعلم تقنيات مواجهة الضغوط مقتنيات الاسترخاء والتنفس العميق المنتظم وغيرها من التقنيات التي يمكن تعلمها والتدريب عليها بواسطة المعالج المختص.
– تشتيت الانتباه عن الأفكار الوسواسية والأفكار المرتبطة بالقلق والانشغال ببدائل صحية والمشاركة مع أفراد الأسرة في الأنشطة اليومية المختلفة والاستمرار والمداومة على هذه الأنشطة وعدم السماح الاضطراب وأعراضه باعاقة المسار الشخصي والوظيفي للشخص والترحيب بتلقي الدعم المناسب من المحيطين في دوائر الأسرة والصداقة .
-التعبير عن المشاعر عن طريق التحدث مع شخص مقرب او اللجوء للكتابة او الرسم أو غيرها من أدوات التعبير ومشاركة ذلك مع المقربين والمعالجة المختص ما أمكن .
وأخيرا ، فإن لأفراد الأسرة والمقربين من الشخص الذي يعاني من القلق النفسي او الوسواس القهري دور هام ومؤثر للغاية في مسيرة تحسنه واستقراره النفسي بالتفهم والصبر عند التعامل معه ، بالدعم المتواصل والإنصات النشط المتفاعل والمطمئن والتفهم لمخاوفه حتى وآن بدأت غير منطقية لنا ومبالغ فيها. مساعدته على تنظيم وترتيب أمور حياته والمشاركة في تقليل الأثار السلبية الناتجة عن معاناته .
ومن أهم ما قد تقدمه الأسرة تعزيزها الذي يعاني ان يعرفوا أكثر عن معاناته ( التعرف على المرض وأعراضه وأنصاره ووسائل علاجه من مصدر موثوق او معالج مختص ) ، ليتمكنوا من مساندته وتشجيعه على الانتظام في مساره العلاجي والانتظام على العلاج او متابعة الجلسات العلاجية حسب توجيه المختص .
–