العاصمة

” الترابط الأسري ” ملاذ آمن لــــ ضمان الاستقرار والتميز

0

 

بقلم : طراد علي بن سرحان الرويس

 

يعتبر الترابط الأسري أساس الاستقرار النفسي والاجتماعي للأفراد يساهم في تعزيز الحب والاحترام والدعم العاطفي داخل الأسرة، مما يمنح الأفراد شعورًا بالأمان والثقة. كما يساعد في تنمية القيم والأخلاق، وتحسين الأداء الأكاديمي والمهني، وتوفير الدعم في الأوقات الصعبة. الأسرة المترابطة تخلق مجتمعًا قويًا ومستقرًا، حيث تكون العلاقات مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل. وتعد الأسرة، منذ الأزل، الحاضن الأول والملاذ الآمن لكل فرد، تُعطي الفرد الشعور بالأمان والانتماء وتغرس فيه القيم منذ الصغر. لكننا اليوم نعيش في عصر التكنولوجيا السريعة، حيث تتزايد التحديات أمام الأسرة لتظل متماسكة. ففي زمن الاتصال والتواصل تواجه الكثير من الأسر أزمة تواصل بين أفرادها تصل في بعض حالاتها إلى التباعد والانقطاع بل للقطيعة.

تُعتبر الأسرة الركيزة الأساسية في بناء المجتمع، فهي النواة الأولى التي تتشكل فيها قيم وأخلاقيات الأفراد. فالأسرة ليست مجرد مجموعة أفراد يعيشون تحت سقف واحد، بل هي كيان حي ينبض بالمحبة والدعم المتبادل، وهي الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه كل فرد في أوقات السعادة والحزن. ويكتسب الفرد من أسرته مهارات الحياة الأساسية ويستمد منها القوة لمواجهة تحديات الحياة. في هذا المقال، سنتحدث اليوم عن دور الأسرة في المجتمع وكيف نعيش حياة أسرية سعيدة ومستقرة تتسم بالترابط والتفاهم.

كانت الأسرة فيما مضى تعيش حياة بسيطة هادئة , يسودها جو مفعم بالمودة والمحبة والتعاون , تقوى فيه أواصر القرابة والروابط الأسرية وتشتد , يخدم الصغير فيها الكبير , ويحنو الكبير فيها على الصغير … أما الآن فقد تعقدت الحياة وكثرت التزاماتها وقد تضطر الظروف البعض للابتعاد عن أسرهم فترة من الزمن , حتى أصبحت أعباء الحياة في أيامنا هذه تثقل كاهل الأبوين خاصة في الطبقات الفقيرة والمتوسطة فضلاً عن القلق الذي يساور الآباء على مستقبل أولادهم في عصر سريع التغير ملئ بالمفاجآت .

إن أُسس الاستقرار الأسري مهمة، فوجودها دليل على العلاقة الصحية الأسري وتحقيق الاستقرار الأسري ومن ثم السعادة، وأهم هذه الأسس وأولها هي الملاءمة،وتعني الملاءمة بتوافق الزوجين بعد الزواج، فوجود علاقة شخصية سهلة وغير معقدة، يزيد من الألفة، أما ثانيها فهو مرتبط بالأولى وهو القدرة والمهارة، والذي يعني توظيف التوافق بين الزوجين في التعامل مع الآخرين وحل الصراعات والمشاكل، وثالثها وهو الجهد، وهو يعني الجهد المبذول في القدرة على تحمل الآخرين في وقت الصعوبات والأزمات، فوجود الجهد من الطرفين يساعد على إبقاء الأسرة في استقرار وتوازن نفسي، ورابعها هو الإعالة، أي المساعدة، فوجود علاقات خارجية كالأقارب ولأصدقاء دليل على صحة الاجتماعية للأسرة، وتساهم أيضًا بشكل كبير في تماسك الأسرة واستقرار ها.

تقع مسؤولية تربية الأبناء على الوالدين في المرتبة الأولى والتربية في معناها الشامل لا تعني توفير الطعام،والشراب،والكساء،والعلاج وغير ذلك من أمور الدنيا ،بل تشمل كذلك ما يصلح الإنسان ويسعده منها غرس القيم والفضائل الكريمة والآداب والأخلاقيات والعادات الاجتماعية التي تدعم حياة الفرد وتحثه على أداء دوره في الحياة , ومنها غرس مفاهيم حب الوطن والانتماء وترسيخ معاني الوطنية في أفئدة الأبناء بالتضحية والدفاع عنه , ومنها أيضا التخطيط الجيد أثناء الإجازات والعطل الصيفية للاستفادة من أوقاتها فيما يعـود بالنفع على الفرد والأسرة والمجتمع من خلال توجيه طاقاتهم إلى البرامج العلمية النافعة،والدورات التدريبية المفيدة،و ممارسة الرياضة البدنية , ومنها إبعادهم عن المواد الإعلامية المضرة ، وتقديم البديل النافع لهم من الوسائل المسموعة أو المرئية،أو المكتوبة , ومنها إبعادهم عن رفاق السوء فمعظم الجرائم،وتعاطي المخدرات،والانحراف الفكري يقف خلفه رفاق السوء. ويرى كثير من الآباء والأمهات أن دورهم في تربية أولادهم ينتهي عند بلوغ الولد أو البنت سناً معينة فيتركهم أو يهملهم ظناً أن الأولاد قد كبروا في السن ولا يحتاجون إلى توجيه ومتابعة،وهذا خلل في التربية ينتج عنه مشاكل لا تحمد عقباها فمسؤولية الأبوين لا تنتهي مهما كبر الأبناء لأنهم في حاجة دائما الى التوجيه والنصح والإرشاد ولا غنى لهم عن خبرات وتجارب كبار السن .

تتعدد مفاتيح الاستقرار الأسري وأولها هو الاحترام المتبادل بين الزوجين بالدرجة الأولى فهو ينعكس بذلك على باقي الأسرة ، فلابد من وجود تعامل لائق واحترام بين أفراد الأسرة لتحقيق الاستقرار الأسري، وثانيها الموازنة بين العمل والحياة الأسرية، فمن المهم ان يوجد التوازن بينهما، فاختلالهما يؤدي لمشاكل عديدة، فالعائلة لا تحتاج فقط للمال بل تحتاج للمعنوية والمساندة، ولابد من مواكبة الأبناء في ظل المؤثرات الخارجية والمواكبة تحتاج للوقت، أما ثالثها فهو اعتناء الوالدين بصحتهما النفسية والجسدية، فذلك ينعكس تلقائيًا على الأسرة والأبناء، بالإيجاب وبالسلب، فقوة الأبناء مصدرها الوالدين، ورابعهما، فهو تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، فالحقوق والواجبات وُجدت لتنظم الحياة وأي اختلال فيها يؤدي إلى اختلال النظام وتتبعها مشاكل لا حصر لها، فلابد من تأدية الواجبات المنوطة لكل طرف اتجاه الأسرة، ولابد من المشاركة والتعاون بين أفراد الأسرة من خلال المساعدة المتبادلة، ومساعدة بعضهم البعض إذا ما وقع أحدهم في مشكلة، ورابعها هو تقديس الوقت العائلي، فالأولوية للعائلة، فلابد من الجلوس مع العائلة وتبادل الحوارات لتفعيل التواصل الجيد بينهم والتعاطف والتفاهم، والمشاركة في الأنشطة والاستمتاع مع بعضهم.

تعليم الأبناء الكيفية السليمة للتفاعل الاجتماعي وتكوين العلاقات الاجتماعية من خلال ما يتعلمه الأبناء في محيط الأسرة من أشكال التفاعل الاجتماعي مع أفراد الأسرة وعلى الأسرة تكييف هذا التفاعل وضبطه على النحو الذي يتوافق مع قيم المجتمع ومثله ومعاييره بما يجعلهم قادرين على التفاعل مع الآخرين في المجتمع . لأن العلاقة بين الفرد والأسرة والمجتمع فيها كثير من الاعتماد المتبادل ولا يمكن لأحدهم أن يستغني عن الآخر فالأسرة ترعى شئون الأفراد منذ الصغر والمجتمع يسعى جاهداً لتهيئة كل الفرص التي تمكن هؤلاء الأفراد من أداء أدوارهم الاجتماعية وتنمية قدراتهم بالشكل الذي يتوافق مع أهداف المجتمع. هذا التكامل الاجتماعي المشترك يتطلب إمداد الأبناء بالاتجاهات والمهارات اللازمة للعمل بفاعلية في خدمة المجتمع كالتطوع في الأعمال الخيرية لمساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة , او دعم الجمعيات والنشاطات الاجتماعية من خلال تشجيع الأهل لأطفالهم وإشراكهم في المناسبات وغرس حسن التصرف والسلوك لدى الأبناء وتربيتهم وتلقينهم ثقافة المجتمع وتقاليده وتهيئتهم لتحمل مسؤولياتهم الاجتماعية على أكمل وجه فبفضل الجو الأسري والمحيط العائلي والبيئة المجتمعية تنتقل إلى الناشئة تقاليد أمتهم ونظمها وأعرافها بل وعقائدها وآدابها وفضائلها وتاريخها فإذا وفقت الأسرة في أداء هذه الوظيفة الاجتماعية الجليلة حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في المجال التربوي . فالأبناء في كثير من الأحيان يتخذون من آبائهم وأمهاتهم وبقية أفراد الأسرة القدوة والمثل الأعلى في السلوك لذا يجب أن يكون أفراد الأسرة خير قدوة للأبناء بالتزامهم معايير المجتمع والفضائل والآداب الحسنة .

في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الأسر، من الضروري تطبيق استراتيجيات تعزز الروابط الأسرية وتقوي العلاقات بين الأفراد. التواصل الفعّال يعد أحد أهم هذه الاستراتيجيات. يجب تشجيع الأفراد داخل الأسرة على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بوضوح واستماع بعضهم البعض برغبة حقيقية. يمكن أن يشمل ذلك تنظيم جلسات دورية لمناقشة القضايا العائلية وتعزيز الفهم المتبادل. بالإضافة إلى التواصل، من المهم تخصيص وقت مشترك للأنشطة الأسرية. يمكن أن تشمل هذه الأنشطة ألعاب الطاولة، الرحلات الترفيهية، أو حتى تناول وجبة معًا. يساهم الوقت الذي يقضيه الأفراد معًا في خلق ذكريات إيجابية، مما يعزز الروابط النفسية بينهم. كما يُعتبر هذا الشيء فرصة لممارسة الالتزام والاحترام المتبادل، وهي عوامل أساسية في تعزيز الترابط الأسري.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أهمية توفير الدعم العاطفي داخل الأسرة. عندما يشعر الأفراد بأنهم مدعومون من قبل عائلتهم، يصبح من الأسهل التعامل مع الضغوط والتحديات. يمكن أن يتم ذلك من خلال تقديم المساعدة العمليّة والمشورة، وخلق بيئة آمنة لتبادل المشاعر. كما يُعتبر الاهتمام بنجاحات بعضهم البعض وتشجيعهم على تحقيق أهدافهم الشخصية من الوسائل التي تعزز الروابط الأسرية. أخيراً، يجب على الأسر اتباع نهج مرن وتكييف استراتيجياتهم بما يتناسب مع احتياجاتهم وأعمار الأبناء. كل تلك الاستراتيجيات تمثل خطوات أساسية نحو تحقيق الترابط الأسري الذي يساهم في الصحة النفسية، مما يجعل الأفراد أكثر قدرة على مواجهة التحديات اليومية.

 

 

 

اترك رد

آخر الأخبار