“الانتحار في فلسطين بين الشريعة والقانون”
“الانتحار في فلسطين بين الشريعة والقانون”
بقلم أ. معتصم صبحي جندية – فلسطين غزة
حقوقي وباحث حقوقي
مقدمة.
يعد الانتحار مِن أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع، وأشد الأسى على الاُسر؛ لما يتركه مِن آثار سلبية بعد
موت المنتحرين، حيث في المجتمع الفلسطيني بين الحين والآخر، يكون حديث الشارع الفلسطيني عن
الازدياد الملحوظ في حالات الانتحار و في الآونة الأخيرة انتشرت حالات الانتحار في قطاع غزة ، حيث تزيد
الخطورة عندما يشعر الإنسان باليأس وأن حياته لا هدف منها ولا معنى لها وفقدان الأمل في الحياة ، وعندما يكون
هناك فقدان للاستبصار واختلال الصلة بالواقع كأن يعاني بمرض نفسي وخصوصا الاكتئاب أو يعاني من مشاكل
أسرية وخلافات عائلية قد تكون لأسباب مالية أو دراسية أو مهنية أو اجتماعية أو تفكك أسري وسنتحدث في
الجانب الشرعي والقانوني، لجريمة الانتحار كونها أصبحت تتكرر في قطاع غزة.
أولا: تعريف الانتحار.
الانتحار: هو قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال؛
مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناول السموم، أو تناول جرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه في النهر، أو قتل نفسه
بمأكول أو مشروب؛ وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن مماته أصبح أفضل من حياته،(طه أحمد: ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها،2014).
ويرى الباحث بان المنتحر: هو الشخص الذي له نظرة تشاؤمية عن كل موضوع، فيقمع ارادته مِن التحرك
والسعي لتحقيق الأهداف، ويحكم عليها بالنفي من الحياة.
ثانيا: حكم الانتحار في الشريعة الإسلامية.
حيث حرمت الشريعة الغراء الانتحار بوصفها أنه من كبائر
الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يُلقيها في النفوس، ولو
لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب،
وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ من قتْل الإنسان نفسَه،
أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو
مشروب؛ ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلت قدرته، وتقدست أسماؤه ، حيث قال:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ (النساء: 29، 30)
، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾: (البقرة 195)، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ (الفرقان: 68، 69).
وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في
يده يتوجا بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يحتساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل
نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا”،( رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي
يطعنها، يطعنها في النار)، (رواه البخاري).
ثالثا: حكم الانتحار في القانون.
لم يعالج القانون الفلسطيني الانتحار، كونه فعلًا خطيرًا
يقوّض الحق في الحياة باعتباره حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وقيمة إنسانية تنطلق منها كافة الحقوق الأخرى،
واقتصرت معالجة القانون على إيقاع الجزاء على من يحاول الانتحار، أو يساعد أو يغري أو يدفع أي شخص
على الانتحار، حيث نص القانون العقوبات المطبق في قطاع غزة رقم 74 لسنة1936م،في المادة (225) “1-كل من حاول الانتحار يعتبر أنه ارتكب جنحة 2- كل من: أ-
حمل شخصا على الانتحار ب- أو أغرى شخصا على الانتحار فحمله بذلك على أن ينتحر، ج- أو ساعد آخر على الانتحار: يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس
المؤبد” وايضا نص قانون العقوبات المطبق في الضفة الغربية رقم 16 لسنة 1960م،في المادة(80) “1-يعد محرضاً من حمل غيره على ارتكاب جريمة بإعطائه نقوداً
أو بتقديم هدية له أو بالتأثير عليه بالتهديد أو بالحيلة والدسيسة أو بصرف النقود أو بإساءة الاستعمال في حكم الوظيفة،2- يعد متدخلاً في جناية أو جنحة: أ- من ساعد
على وقوع جريمة بإرشاداته الخادمة لوقوعها، ب- من أعطى الفاعل سلاحاً أو أدوات أو أي شيء آخر مما يساعد على إيقاع الجريمة، ج- من كان موجوداً في المكان الذي
ارتكب فيه الجرم بقصد إرهاب المقاومين أو تقوية تصميم الفاعل الأصلي أو ضمان ارتكاب الجرم المقصود، د-من ساعد الفاعل على الأفعال التي هيأت الجريمة أو
سهلتها أو أتمت ارتكابها، هـ- من كان متفقاً مع الفاعل أو المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة وساهم في إخفاء معالمها أو تخبئه أو تصريف الأشياء الحاصلة بارتكابها جميعها أو
بعضها أو إخفاء شخص أو أكثر من الذين اشتركوا فيها عن وجه العدالة، و- من كان عالماً بسيرة الأشرار الجنائية الذين دأبهم قطع الطرق وارتكاب أعمال العنف ضد أمن
الدولة أو السلامة العامة، أو ضد الأشخاص أو الممتلكات وقدم لهم طعاماً أو مأوى أو مختبئاً أو مكاناً للاجتماع”.
ونص قانون العقوبات المطبق في الضفة الغربية رقم
16لسنة 1960م،في المادة(339) “الانتحار من حمل إنساناً على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق
المذكورة في المادة (80) عوقب بالاعتقال المؤقت، وإذا بقي الانتحار في حالة الشروع عوقب ذلك الشخص بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وتكون العقوبة حتى
ثلاث سنوات إذا نجم إيذاء أو عجز دائمان”.
وتجدر الإشارة إلى ان الانتحار هو إنهاء الإنسان لحياته بنفسه ، أي اعتداء من الشخص على نفسه يؤدي إلى
إزهاق روحه؛ أما الشروع في الانتحار فهو يتجسد في كل فعل أو امتناع يؤدي إلي إزهاق روح إنسان وإنهاء حياته
غير أن النتيجة لا تتحقق، أي أن وفاته لا تتم لسبب لا دخل لإرادة مَنْ أقدم على ارتكاب الفعل فيها، وذلك مثل من يأخذ كمية كبيرة من الأدوية والحبوب أو يشرب سما
ثم يتم إنقاذه من قبــل أفراد أسرته أو من الآخرين بأخذه إلى المستشفى وعلاجـه في آخر لحظة ، أو أن يلقي بنفسه من سطــح مرتفع لعمارة أو يحرق نفسه، غير أنه لا
يموت ، حيث ان قانون العقوبات الفلسطيني يعتبر أن كل من حاول الانتحار قد ارتكب جنحة، كما اعتبر محاولة الانتحار جريمة قائمة بذاتها.
رابعا: أسباب الانتحار في المجتمع الفلسطيني وخاصة قطاع غزة.
للانتحار أسبابٌ عديدة, منها:
• ضعف العقيدة، و الكفر بالله تعالى، فمن ييأس مِن رحمة الله فهو مِن الخاسرين.
• الانقسام السياسي الفلسطيني.
• ازدياد معدلات البطالة في المجتمع الفلسطيني وخاصة قطاع غزة.
• سوء الوضع الاقتصادي في قطاع غزة.
• المشكلات الشائكة، كتراكم الديون, وسوء التدبير.
• الأسباب النفسية، كالتوتر الزائد, والاكتئاب, والقلق.
• عدم تحقيق الأهداف، كعدم تحقيق النجاح, أو الوظيفة, أو تأخر سن الزواج.
• تناول الخمر وادمانه، والحسد وكثرة مراقبة الآخرين.
• الفراغ وانعدام الشخصية، والتأثر بالإعلام الهابط.
خلاصة
أن معالجة قضايا الانتحار تبدأ بالوقاية قبل العلاج، مما يوضح أهمية وجود استراتيجية وطنية متكاملة للوقاية
منه، هذا بالإضافة إلى وجود إشكاليات في منهجية التعامل مع حالات الانتحار على الصعيد الحكومي
ومؤسسات المجتمع المدني، فهناك بعض القضايا التي تعالج، وأخرى تسكن، والكثير منها يتم تجاهله، بفعل
ثقافة المجتمع السائدة، إلى جانب اقتصار دور المؤسسات على علاج الجانب النفسي بعد محاولات الانتحار دون علاج مسبباته.
اسأل الله العظيم ان يحفظ بلدنا ويحفظ شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية.