الإسراف في استخدام الماء إساءة لنهر النيل
كتب: محمد جلاب
يواصل المستشار/ هشام فاروق العضو الشرفي لنقابة محفظي وقراء القرآن الكريم ورئيس محكمة الاستئناف العالي بالإسكندرية حديثه عن نهر النيل ، فيقول:
من صور الإساءة لنهر النيل – شريان حياة مصر – الإسراف في استخدام مياهه! وهذه عادة مذمومة يقع فيها جميع المصريين بلا استثناء تقريبا! وهي تتسبب في كارثة بل كوارث أخرى! استنزاف ماء النهر ؛ والإضرار بالغير ؛ وشيوع الأنانية والبغضاء في المجتمع وتهديد السلام الاجتماعي! وتلك آفة لو تعلمون عظيمة! فعندما تُسرف في استخدام الماء في البيت وفي ري الزرع في الحقول والحدائق وفي غسل السيارة بل والشارع وغيرها ستتسبب في الإضرار بغيرك حتما! فهو لن يتمكن من الانتفاع بالماء أبدا! فتشيع روح الأنانية ويسود الغضب وتكثر المشاجرات ثم النزاعات ثم الأقضية أمام المحاكم ثم الجرائم أيضا! ولسوف تنقطع المياه ساعات طويلة بل ربما أياما ؛ ولن تصل المياه إلى الأدوار العليا ، بل السفلى أيضا! إن منسوب مياه النهر العظيم ينخفض باستمرار بسبب ذلك الإسراف! أما المجاري المائية المتفرعة من النيل فقد جفَّ معظمها وهلك الزرع والسمك!
ولكم أن تتخيلوا ماذا يُمكن أن يحدث من هلاك للناس والنسل والزرع والحيوان إذا ما جفَّ الفرعان المتبقيان من أفرع النيل – أو حتى انخفض منسوب المياه فيهما بشكل حاد – علما بأنه كان للنيل حسب الخرائط والمخطوطات القديمة سبعة أفرع جفَّت منها وانطمست خمسة ؛ ولم يبق في العصر الحاضر إلا اثنان فقط هما فرعا رشيد ودمياط! فحافظوا عليهما واتقوا الله أيها الناس!
ما أحمق الإنسان وأظلمه! يُريد أن ينفع نفسه فيضُرّها! ولو اتبع المنهج الذي أنزله ربه وخالقه العظيم لاستقامت حياته ولرغدت معيشته ولحاز خيريّ الدنيا والآخرة!
حرَّم الله تعالى الإضرار بالغير! فليس لك أن تنفع نفسك وتضُرّ غيرك! فلقد قال رب العزة تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز:”وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”(الأحزاب-58) ؛ أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال:لا ضَرَرَ ، وَلا ضِرارَ ، مَن ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ ، ومَن شَاقَّ شَاقَّهُ اللَّهُ. (حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده الكثيرة). ونفى الإيمان عن مَن لم يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه! فقال:لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه. (حديث صحيح ؛ متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه)
كما حرَّم الله تعالى الإسراف! فقال تعالى:”وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”(الأعراف-31) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ. [المَخيَلة:الكِبْر] (حسن ؛ رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما). ولقد مرَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بسَعدٍ وَهوَ يتوضَّأُ ، فقالَ:ما هذا السَّرَفُ يا سَعدُ؟ قالَ:أفي الوضوءِ سَرفٌ؟ قالَ:نعَم ، وإن كنتَ على نَهْرٍ جارٍ. (حسن ؛ رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما) وقال هلال بن يساف (تابعي ثقة) رحمه الله:كانَ يُقالُ:في كلِّ شيءٍ إسرافٌ حتَّى الطُّهورِ ، وإن كانَ علَى شاطئِ النَّهرِ. (رواه البيهقي)
فالإسراف حرام ولو كان في الوضوء ؛ وإن كنت على نهر جار! فهل أنت مُستعد لبُغض رب العزة تبارك وتعالى؟!
انتفع بالنهر وبمائه لكن باقتصاد واعتدال دون إسراف ، ولا تُدنِّسه ولا تُدَمِّره! واحذر أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم:”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ”(إبراهيم-28؛29) وقال أيضا:”وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(البقرة-211).