كتبت : أسماء فكري السعيد علي
الأم والأب .. هم أعمدة أي أسرة وجدت في العالم بأكمله وخاصة في الأسر الشرقية
وبالأخص المصرية .. فلو صلح قوامهم صلح باقي أفرع الأسرة وصلح بعدها أجيال كثيرون ..
وفي مقالي هذا سأخص الأسرة المصرية بالحديث وسأقوم بعمل مقارنة بين حال
الأسرة المصرية قديما عندما كان يحكمها تقاليد الماضي وبين حالها الآن عندما تحكمت
بها تقاليع الحاضر .. وسأتطرق هنا لسؤال هام ألا وهو معرفة من السبب والمسئول
الأول عن هذا التغير الرهيب والجذري في حال الأسرة المصرية وهي المؤسسة
التربوية الأولي التي يتعامل معها النشأ والتي أثرت بدورها علي حال جميع المؤسسات داخل الدولة المصرية ..
ولنبدأ كلامنا عن عمودي الأسرة .. الأب والأم ..
أولا : الأم :-
——————–
رحم الله الشاعر المصري العظيم أمير الشعراء ( أحمد بك شوقي ) عندما قال ( الأم
مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق ) .. فلقد قال هذا البيت متحدثا عن الأم
بأنها هي المدرسة أي التعليم .. القدوة الحسنة التي يجب أن يقتضي بها النشأ ..
القواعد والمبادئ والتي هي أساس غرسها داخل أبناؤها .. فصلاحها صلاح لهم وفسادها ضياع ومتاهة لهم .
فلو نظرنا لتقاليد الماضي لوجدنا بالفعل أن الأم كانت مدرسة صالحة بالرغم من أن
معظم الأمهات في هذه الحقبة الزمنية كانوا غير متعلمات ولكنهم كانوا بالفطرة يتعلمون ويزرعون داخل أبناؤهم كل السلوكيات الصالحة ..
كان العيب والخطأ والحرام هو منهجهم ومنوالهم .. زرع الحياء داخل الصبيان قبل الفتيات
أساسه زرع الخوف وحرص الولد علي أخته وجارته وأبناء عمومته وأخواله .. وزرع النخوة بداخلهم ..
أما الفتيات فكان الحياء هو الأساس في كل شئ .. الكلام واختيار الألفاظ .. النظرات ..
طريقة السير سواء بالشارع أو بالمنزل .. اختيار الملابس التي كان يغلب عليها الذوق الراقي والشياكة ..
فكنت وبمجرد النظر لأفراد الأسرة المصرية لرأيتها في منتهي التأنق والجمال وكأنها من كوكب أخر أساسه الجمال والشياكة ..
نأتي بقي للنظافة .. فلو تحدثنا عن النظافة لوجدنا أن الأم كانت دائما ما تعاقب أبناؤها علي عدم نظافتهم سواء الشخصية أو غرفهم أو حتي نظافة الأماكن المتواجدون بها ..
كانت عبارة ( النظافة من الإيمان ) هي شعار كل منزل يتربي عليه الكبير قبل الصغير .. فبالنظر لخروجات الأسرة المصرية قديما في المتنزهات والحدائق العامة لوجدنا أن الأم
كانت حريصة كل الحرص علي ارشاد أبنائهم لفعل الصواب فتوجهم لعدم قطف الزهور وتركها لجمالها وعدم الجلوس علي العشب حتي لا يموت وهكذا .. وكان دائما معها
الطعام الموضوع في صندوق صغير حتي لا يتناثر علي أرض الحديقة واضعة ملآة كبيرة للجلوس عليها والحفاظ علي المكان المتواجدين به ..
وبالتالي كان من المحال أن تري حديقة مهملة أو غير نظيفة بعد زيارات الأسر لها ..
ولعل خير دليل علي ذلك تألق الأفلام القديمة التي كانت مليئة بمشاهد للحقول والحدائق التي اندثرت في وقتنا الحالي .
أما بالنسبة للذوق العام سواء في القراءة والفنون والموسيقي لوجدنا أن الأم مهما كانت الطبقة التي تنتمي لها تحرص كل الحرص علي اختيار الذوق العالي في كل
شئ .. ففي حفلات أم كلثوم كنت تجد كل الطبقات وكل الفئات العمرية .. عبدالوهاب .. عبدالحليم .. فريد الأطرش .. شادية .. وغيرهم الكثيرون والكثيرون الذين كانوا بفنهم
يزرعون القيم ..
هذه هي الأم المصرية قديما .. والتي كما قلت سابقا أنها كانت علي الفطرة ليس لديها ما نملكه الآن من وسائل الترفيه والراحة ..
أما في حاضرنا وتقاليعه .. لوجدنا أن الوضع اختلف تماما ..
فبالرغم من أنه أصبح من الصعب وجود أم غير متعلمة وأيضا ومع انتشار وسائل الراحة
والتكنولوجيا التي أصبحت كل أم تتمتع بها إلا أن سلوكيات ومستوي أخلاق الأبناء تدني كثيرا .. ولو نظرنا للسبب لوجدنا أن الأم أصبحت أكثر إنشغالا .. لا تهتم بزرع القيم التي
تربينا عليها والتي تسميها أنها تقاليع فاضية .. بل وتواكب كل ما هو جديد. من أشكال موضة الملابس والاكسسوارات والفنون ..
فأصبحت تختار الملابس البعيدة عن الجمال فظة الألوان لا تري من يرتديها إلا قبيحا .. فالفتاة التي كانت تخجل قديما من وضع زبدة الكاكاو وتخجل أن تطلبها من أمها وتخاف
لو علم أباها .. أصبحت تطلب تشكيلة متنوعة من المكياج وتطلبها بكل عين قوية ليس
بها خجل .. والأكثر من ذلك أنها تخرج من المنزل بهذا الشكل وتراها الأم ويراها الأب ولا ينبذون ما تفعله بل يباركوه ..
حتي الموسيقي التي يسمعونها والتي أخجل أن أسميها موسيقي لأنها بعيدة عن هذا الفن الراقي بل أفضل ما يقال عنها أنها سوقية غنائية لها مسميات عديدة ..
( مهرجانات — كليبات فاضحة — كلمات بعيدة عن الأخلاق تحرض علي الرزيلة ) .. حتي
ما أصبحوا يشاهدونه علي التلفاز والذي كان قديما وسيلة للم شمل الأسرة أصبح الأن حال تفككهم .. فلكل طلبه وزوقه ..
هذا غير السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي والذي كان له الآثار الجانبية الكبيرة في تفكك الأسرة المصرية ..
كل هذا يتم والمفروض أن الأم هنا في حاضرنا الحديث متعلمة ومن المفترض أنها أكثر
تفهما وتفتحا وأيضا علي دراية أكبر بكل مجريات الأمور التي تخرج نشأ رائع للبيئة الخرجية .. ولكن مع الأسف ما يحدث هو العكس ..
ثانيا : الأب :-
———————
وهو العمود الثاني في الأسرة المصرية ورمانة الميزان أيضا .. فهو العمود الفقري لجسد الأسرة المصرية .. ففيه القدوة والإقتداء والتعليم والعبر .. فيه الرهبة والردع
والتوجيه .. فالأب قديما .. كان المحافظ علي التقاليد سواء كان بك أو باشا أو حتي
أفندي أو معلم جاهل في سوق الخضار أو جزار .. كانت التقاليد والقيم والمبادئ هي
الأساس .. كان غير متلفظا بألفاظ الرزيلة والسباب بل متحدثا بالحكمة وأبيات الشعر والأمثال القديمة كل أب حسب ثقافته وبيئته .
كان الخوف من الأب .. خوف رهبة ووقار .. إحترام وإجلال للأب في هذا الزمن قديما .. وبالرغم من ضيق حال البعض إلا أنهم ربوا أبنائهم كما تربوا هم علي الأدب والأخلاق واحترام الصغير قبل الكبير ..
أما حديثا .. أختلف الحال تماما .. فأين الأب الذي يحترمه ابنه .. الابن الذي كان لا يقدر علي النظر في وجه أبيه أصبح يصيح ويبجح في وجهه وقد يتطاول عليه بالسباب أو الضرب أحيانا ..
ونجد أيضا الأب الذي أصبح متلفظا بأقبح الألفاظ .. الصامت عن الأخطاء .. وبالرغم من سعة الحال ووجود كل شئ كان غير متوفرا قديما إلا أنه لم يربي الأبناء علي الشبع وقول الحمد لله..
فبالله عليكم .. كيف هو حال الأسرة الآن .. وأيهم أفضل .. تقاليد الماضي أم تقاليع الحاضر ..؟
كيف نطلب من الدولة تحسين هذا وذاك من تعليم وفنون وغيرها والعيب فينا نحن .. فأنا كأم أو كأب أصبحت لا أملك السيطرة علي تعليم أولادي بل أصبحت متواكلة علي غيري
لتعليمهم سواء مدرس خصوصي أو غيره حتي لا أتعب أو يضيع وقتي أنا الأم والأب
المتعلمون .. والذين كانوا قديما علي الفطرة يجلسون علي الطبلية يدرسون لأبنائهم يعلمونهم ويتعلمون معهم ..
وسؤالي لعمودي الأسرة المصرية .. إلي متي سنترك أبناؤنا هكذا يضيعون في زمن ضاعت فيه الفضيلة وأصبح الممسك علي دينه كالممسك جمرة من نار .. والمحافظ
علي تقاليده رجعي وغير متمدن .. إلي متي وإلي أين سيضيع أبناؤنا فلذات أكبادنا
والذين هم في الأساس مستقبلا سينشئون نشأ جديد .. سيكون أسوأ فعليا من النشأ الحالي ..
وسؤالي أيضا للقارئ .. أيهما تفضل ؟ .. تقاليد الماضي أم تقاليع الحاضر والمستقبل أيضا
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.