وضح لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لا دين لمن لا أمانة له ولا عهد له
ولا صلاة له وعندما سئل النبى صلى الله
عليه وسلم عن الساعه فقال أذا ضيعت الامانه فأنتظر الساعه والأمانة بمفهومها
الواسع الذي أرادها الله لها وأرادها رسوله
– صلى الله عليه وسلم – ضد الخيانة بمفهومها الواسع الذي نهى الله ورسوله عنها ؛
لتكون الأمانة في كل ما افترض الله على
العباد في الدين والأعراض والأموال والعقول والأنفس والمعارف والعلوم والولاية
والحكم والشهادة والقضاء والأسرار والحواس
الخمس ونحو ذلك .. فهي كما قال القرطبي – رحمه الله – : « تعم جميع وظائف الدين
« .ثم إنه لا يمكن أن يكون الأمين أمينًا
إلا إذا كان عافًّا عمَّا ليس له به حق .. مؤدِّيا ما يجب عليه من حقٍّ لغيره ..
حريصًا على حفظ ما استُؤمِن عليه غير مفرِّطٍ به ..
فإن من اجتمعت فيه هذه الركائز فهو في دائرة المفلحين الذين قال الله – جل وعلا – عنهم :» قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ « (1 سورة
المؤمنون) .. إلى أن قال « وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ « (7 سورة المؤمنون).
والأمانة لم تكن بدْعًا من التشريع الإسلامي المحمدي فحسب ، بل هي من أبرز أخلاق الرسل والأنبياء – عليهم أفضل الصلاة
والسلام – فهذا نوحٌ وهودٌ وصالح ولوطٌ وشعيب .. كل واحدٍ منهم قد قال لقومه : إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162 سورة الشعراء) ،
ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – ما كان يُعْرَف في قومه إلا بالصادق الأمين ، وقد جعل الباري – جل شأنه – هذه الصفة للروح
الأمين جبريل – عليه السلام – في قوله :» نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ» (193 سورة الشعراء). .
لقد قصرت أفهام الكثيرين عن معنى الأمانة فحصروها في حفظ الودائع المالية والمادية فحسب ، وضيقوا بهذا الفهم واسعا ..
في حين إنها ليست إلا لونًا من ألوان الأمانة التي تتعدد وتتجدد .. فالقيام بالواجب أمانة ، وترك المنهي عنه أمانة ، والأمر
بالمعروف أمانة ، والنهي عن المنكر أمانة ، والحكم أمانة ، ورعاية حقوق الأمة أمانة ، والعلم أمانة ، وحماية الدين والذب عن
حياضه أمانه ، وصيانة أرض الوطن المسلم وحماية ممتلكات المجتمع أمانة ..فكل أمانةٍ من هذه الأمانات تتحقق بإقامة
مصلحتها ودرء مفسدتها وعدم خذلان الأمة فيها : « إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا « (107 سورة النساء). .
وإذا نظرنا إلى كلمة الأمانة فإننا سنجد فيها معنى الأمان والاطمئنان .. فكأن الأمن والطمأنينة والراحة والاستقرار مرهونةٌ
كلها بتحقيق الأمانة على وجهها الصحيح .. فلا يمكن أن يأمن ظالمٌ ولا يهدأ عاص ولا يسعد خوَّان ولا يفلح منافق ولا يصل متلفت ..
وفي حين أن القرآن الكريم قد ذُكِرت فيه الأمانة في مواضع كثيرة فإنه في الوقت نفسه قد جاء التحذير من ضدها .. وهي
(الخيانة) .. فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (27 سورة الأنفال) ،
وقال سبحانه : ( وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) (52 يوسف). . وكفى بالخيانة شرًّا وقبحًا ومقتًا أنها سببٌ في دخول جهنم
وبئس المصير من خلال ما ضرب الله لنا مثلًا بامرأتين من نساء الأنبياء والرسل ، « وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ