أكد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة ، أن الحديث عن الكمال والجمال ومحاسن ومكارم الأخلاق الموجود في كتاب الله عز وجل لم ولن ينقطع، وأن القرآن الكريم كما تحدث عن ” الصبر الجميل ” ، و” الصفح الجميل ” ، ومكانة الرسول صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية الشريفة، وعلم قيام الساعة ، وبر الوالدين ، وأسرار البيان القرآني ، ومكانة العلم النافع والعلماء ، تحدث أيضا عن “الوفاء بالحقوق في القرآن الكريم”.
وتحدث وزير الأوقاف اليوم في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح ، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، قائلا خلال حلقات برنامج : ” في رحاب القرآن الكريم ” بعنوان : ” كتاب الجمال والكمال ، أن حديث القرآن الكريم عن ” الوفاء بالحقوق في القرآن الكريم” ، مؤكدا أن القرآن الكريم قد ذكر أمر العبادات التي بين العبد وربه مجملة، وفصَّل كثيرًا من الحقوق والالتزامات المالية، ومن ذلك : ما فصَّله القرآن الكريم في سورة النساء من أحكام المواريث ، والتي ختمها سبحانه وتعالى بقوله :” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ” ، والحد: فاصل بين الحق والباطل ، بين الحلال والحرام ، ” وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ” ، بأن يحرّف ، أو يبدّل ، أو يغيّر ، أو يتدخّل في تقسيم الله تعالى ، ” يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ “، ولم يقل (صلى الله عليه وسلم) : قسمت أنا ، وإنما نسب القسمة إلى الله تعالى ، فإن الله لم يترك أمر الميراث لأحد من خلقه.
وأضاف وزير الأوقاف ، أن الله تعالى قسم لكل وارث حقه ، فمن منع وارثًا حقه منعه الله تعالى جنته يوم القيامة ، والذي يتدخّل ويغيّر ويبدّل فيعطي هذا ويمنع هذا وبخاصة من يحرمون المرأة من حقها في الميراث ، ومن يخصصون أموالهم لأبنائهم من البنين دون البنات ، ويقولون : لا نعطي الميراث لأحد من الغرباء ، أو من أزواج البنات ، أو هكذا جرت عاداتهم الخاطئة المخالفة لشرع الله (عز وجل) ، فنقول لهم : من يتدخل فيكتب لهذا ، أو يعطي هذا ويحرم هذا ، أو يسجل لهذا ويمنع هذا ، كأنه يقول(والعياذ بالله تعالى) : تقسيم الله تعالى لا يعجبني ، أو يقول : أنا أقسم تقسيمًا أحسن من قسمة الله تعالى ؛ لأنه إذا كان يرضى بتقسيم الله تعالى فلماذا يتدخل فيما قسمه الله (عز وجل) ؟.
وأشار الوزير إلى ما يرويه الناس من أن أحدًا منع ابنته من الميراث ، واختص بالمال والعقار أبناءه من البنين ، فظلت البنت صامتة حتى جاءت لحظة شديدة حاسمة ، وهي لحظة غسل أبيها ، فقالت: أروني أنظر إليه حتى أودعه ثم وقفت على رءوس الأشهاد من الحاضرين ، وقالت : اللهم إنك تعلم أنه قد حرمني بعض نعيمك في الدنيا ، اللهم إني أسألك أن تحرمه من نعيم الآخرة ، قابلت عقوقًا بعقوق ، وجحودًا بجحود ، فمن ينتظر لنفسه مثل هذا الموقف ، حتى وإن لم تقله المرأة بلسانها فإن حالها ومقامها يقول ذلك ، “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ “.
وأوضح وزير الأوقاف ، أن من الحقوق التي أكد القرآن الكريم عليها ، حقوق الناس في الكيل والميزان ، وقد خصص سبحانه سورة كاملة للتحذير من تطفيف الكيل والميزان ، يقول تعالى :” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ” ، هلاك شديد ، وقال بعض المفسرين : “ويل”واد في جهنم تستغيث سائر الوديان من شدة حره ،” الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ “، إذا اشتروا أخذوا حقهم كاملًا غير منقوص ، “وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “، وإذا باعوا لغيرهم لم يعطوا الحق كاملًا ، ” أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ “، ألا يعلم هؤلاء أنه سيأتي اليوم الذي يقال لهم فيه :” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ “، سيسألون عن كل شيء.
ولفت الوزير إلى ما ذكره بعض الصالحين من أن رجلًا حضرته الوفاة وبجانبه من يلقنه الشهادة فحبس لسانه عن النطق بها ، فيحدثه في أمر الدنيا فيتحدث ، ويحدثه عن أبنائه فيتحدث ، يعاوده للنطق بالشهادتين فلا ينطق، فهمس له : حينما أحدثك في أمور الدنيا تتحدث ، وعندما ألقنك الشهادتين فلا تنطق ، فقال : إن لسان الميزان منعني عن النطق بهما ، فتطفيف الكيل والميزان حبس لسانه عن النطق بالشهادتين ، قال بعض أهل العلم : ويل لمن يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بحبة أو حبتين ،أو بشيء يسير ، أو عظيم من متاع الدنيا ، وربما يظن بعض الناس أن هذه الحبة أو الزيادة قد تنمي ماله ، فنقول : لا وألف لا ، يقول القائل: جمع الحرام على الحلال ليكثره ..دخل الحرام على الحلال فبعثره ، فما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها ، ولكنكم تستعجلون.
وقال وزير الأوقاف ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ رجالًا يَتخوَّضونَ في مالِ اللَّهِ ورسولِهِ بغَيرِ حقٍّ لَهُمُ النَّارُ يومَ القيامةِ “، ويقول (صلى الله عليه وسلم) :” كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ “، يقول أهل العلم : مَن أكل الحرام أو أدخله على أولاده فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى ، فإن دعا لم يستجب له ، قال سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لنبينا (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة ، فقال (صلى الله عليه وسلم ): ” أطِبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ”، ولم يقل له: أكثِر من العبادات أو الطاعات تكن مستجاب الدعوة ، حتى لو خرج حاجًا أو معتمرًا ملبيًّا فلا يستجيب الله تعالى له ، فقد ذكر (صلى الله عليه وسلم ) : ” الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟ ” ، فالحرام سم قاتل ، وسم زعاف ، مدمر لصاحبه في الدنيا والآخرة.