العاصمة

أكذوبة أنتشار الأسلام بالسيف

0

إيمان العادلى

الرد على أكذوبة انتشار الإسلام بحد السيف
وإذا كان بعض المفترين لا يزال يردد أكذوبة انتشار الإسلام بحد السيف والقتل والقتال، فإننا نلفت

أنظارهم إلى أن كل المعارك التي دارت في الفتوحات الإسلامية إنما كانت ضد جيوش الغزو والاحتلال

الرومانية والفارسية، ولم تدُر معركة واحدة بين جيوش الفتح التحريري الإسلامية وبين أهل البلاد

المفتوحة، بل لقد قاتل أهل البلاد المفتوحة مع الجيوش الإسلامية -وهم على دياناتهم القديمة- ضد الروم والفرس.

 

وشهد أساقفتهم الذين عاصروا هذه الفتوحات وشهدوها، على أن الفتوحات الإسلامية قد كانت إنقاذًا

لهم ولدياناتهم من الإبادة التي مارسها ضدهم المستعمرون الرومان، فقال الأسقف يوحنا النقيوسي، وهو شاهد على الفتح الإسلامي لمصر:

“إن الله الذي يصون الحق، لم يهمل العالم، وحكم على الظالمين، ولم يرحم تجرؤهم عليه، وردهم إلى يد الإسماعيليين (العرب المسلمين، أبناء إسماعيل عليه السلام)، ثم نهض المسلمون وحازوا كل

مصر، وكان عمرو بن العاص (50ق هـ – 43هـ/ 574 – 664م) يقوى كل يوم في عمله، ويأخذ الضرائب

التي حددها، ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس، ولم يرتكب شيئًا ما سلبًا أو نهبًا، وحافظ على الكنائس طوال الأيام.

ويؤكد هذه الحقيقة أن القتال في الفتوحات الإسلامية إنما كان ضد الجيوش الغازية التي استعمرت

الشرق وقهرته عشرة قرون، وأنه كان تحريرًا لأوطان الشرق وضمائر شعوبه، الأسقف ميخائيل

السرياني يشير إلى أن الكنيسة المصرية -اليعقوبية- كانت سرية، لا يعترف بها الرومان، كما كانت

كنائسها مغتصبة من قبل المذهب البيزنطي –الملكاني، وأنها قد ظلت كذلك حتى حررها الفتح الإسلامي، فكان بقاؤها وحياتها هبة الإسلام!

يشهد هذا الأسقف على ذلك فيقول: “إن الإمبراطور الروماني لم يسمح لكنيستنا بالظهور (أي لم يكن

معترفًا بها!)، ولم يصغ إلى شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت، ولهذا، فقد انتقم الرب

منه، لقد نهب الرومان الأشرار كنائسنا وأديرتنا بقسوة بالغة، واتهمونا دون شفقة، ولهذا جاء إلينا من

الجنوب أبناء إسماعيل لينقذونا من أيدي الرومان، وتركنا العرب نمارس عقائدنا بحرية، وعشنا في سلام”

المسلمون وتحرير الكنائس من الاغتصاب

ولقد حرر الفتح الإسلامي كنائس مصر من الاغتصاب البيزنطي، لا ليجعلها مساجد إسلامية، وإنما

ردها إلى نصارى مصر، وأعطى عمرو بن العاص رضي الله عنه الأمان للبطرك الوطني بنيامين (39هـ/ 659م) فعاد بعد ثلاثة عشر عامًا من الهرب!

عاد إلى شعبه، وتسلم كنائسه، وطاف بها في فرح عبَّر عنه الأسقف يوحنا النقيوسي بقوله: “ودخل

الأنبا بنيامين بطرك المصريين مدينة الإسكندرية، بعد هربه من الرومان ثلاثة عشر عامًا، وسار إلى

كنائسه، وزارها كلها، وكان كل الناس يقولون: هذا النفي، وانتصار الإسلام كان بسبب ظلم هرقل الملك، وبسبب اضطهاد الأرثوذكس، وهلك الروم لهذا السبب، وساد المسلمون مصر”

شهادات الغربيين حول مقاصد القتال في الإسلام

وغير شهادات هؤلاء الشهود الثقات على مقاصد القتال في الفتوحات الإسلامية، شهد الكثيرون من

علماء الغرب على الانتشار السلمي للإسلام، ومن هؤلاء العلماء المستشرقة الألمانية الحجة د. سيجريد هونكة، التي كتبت تقول:

“اليوم، وبعد مضي أكثر من ألف عام، لا يزال الغرب النصراني متمسكًا بالحكايات المختلقة الخرافية

التي كانت الجدات يروينها، حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية، بعد موت محمد، نشرت الإسلام

“بالنار وبحد السيف البتار” من الهندإلى المحيط الأطلنطي، ويلح الغرب على ذلك بكافة الوسائل:

بالكلمة المنطوقة، أو المكتوبة، والجرائد والمجلات، والكتب والمنشورات، وفي الرأي العام، بل في أحداث حملات الدعاية ضد الإسلام.

لكن منهج الإسلام: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، تلك هي كلمة القرآن الملزمة، فلم يكن الهدف

أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني

أن يظل نصرانيًا، ولليهودي أن يظل يهوديًا، كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم،

وما كان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك، ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررًا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبيعهم وصوامعهم وكنائسهم”.

حضارة الفاتحين
لقد كان أتباع الملل الأخرى -وبطبيعة الحال من النصارى واليهود- هم الذين سعوا سعيًا لاعتناق

الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين، ولقد ألحوا في ذلك شغفًا وافتنانًا، أكثر مما أحب العرب أنفسهم،

فاتخذوا أسماء عربية وثيابًا عربية، وعادات وتقاليد عربية، واللسان العربي، وتزوجوا على الطريقة

العربية، ونطقوا بالشهادتين، لقد كانت الروعة كامنة في أسلوب الحياة العربية، والتمدن العربي، والمروءة والجمال.

وباختصار: السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية، بغض النظر عن الكرم العربي والتسامح وسماحة النفس، كانت هذه كلها قوة جذب لا تقاوم، إن سحر أسلوب المعيشة العربي ذاك قد اجتذب إلى فلكه الصليبيين إبان وقت قصير، كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي “فونشير الشاروني”: “وها نحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين! أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب؟! بعدما أفاء الله علينا، وبدل الغرب إلى الشرق؟!” بهذا انتشر الإسلام، وليس بالسيف أو الإكراه”

وشهد بذلك أيضًا المستشرق الإنجليزي البارز ألفريد جيوم (1888م – 1965م) فقال: “لقد استُقبل العرب على الأغلب في سوريا ومصر والعراق بترحاب، لأنهم قضوا القضاء المبرم على الابتزاز الإمبراطوري، وأنقذوا البِيَعَ المسيحية المنشقة من الضغط الكريه الذي كانت تعانيه من الحكومة المركزية (البيزنطية)، وبرهنوا بذلك على معرفة بالمشاعر والأحاسيس المحلية أكثر من معرفة الأحزاب”

حقيقة القتال في الإسلام
تلك هي حقيقة القتال في الإسلام، وتلك هي مقاصده:
– رد العدوان عن حرية الاعتقاد والضمير، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين والتدين كله لله.
– رد العدوان عن حرية الوطن، الذي بدون حريته لا يمكن أن يكون هناك مواطن حر، والذي بدون حريته لا يمكن أن تتحقق حرية إقامة فرائض الإسلام.

إنه مجرد شعبة من شعب الجهاد، وهو الاستثناء لا القاعدة، والضرورة التي تُقَدَّر بقدرها، وهو الفريضة المكروهة، وليس الجِبِلَّة التي تقود إلى التقدم، كما زعمت فلسفات وثقافات خارج نطاق الإسلام!
المصادر
[1] يوحنا النقيوسي: “تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي، رؤية قبطية للفتح الإسلامي”، ص201، 202، ترجمة ودراسة: د. عمر صابر عبد الجليل، طبعة القاهرة، سنة 2000م.
[2] د. صبري أبو الخير سليم: تاريخ مصر في العصر البيزنطي، ص62، طبعة القاهرة، سنة 2001م.
[3] تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي، ص220.
[4] الله ليس كذلك، ص40 – 43.
[5] جيوم: الفلسفة وعلم الكلام، دراسة منشورة بكتاب تراث الإسلام، تصنيف أرنولد، ص363، ترجمة: جرجيس فتح الله، طبعة بيروت سنة 1972م.

اترك رد

آخر الأخبار