أشهر وأخطر جاسوسة عربية للموساد
إيمان العادلى
الحلقة السابعة
تعددت لقاءت أمينة المفتي بالأمير الأحمر علي حسن سلامة الذي قدم لها نفسه على أنه كمال ياسين رجل الأعمال الفلسطيني، وبالطبع فقد كان حريصا على إخفاء شخصيته الحقيقية كعادته، كما أنها كانت حريصة في أحاديثها معه وتخاطبه بصفته التي قدم نفسه بها إليها، وكانت أمينة المفتي تتحاشى أن تفتح معه أي حوار سياسي، فقط هي طلبت منه استغلال نفوذه في مساعدتها في مهمتها وسعيها للعمل كطبيبة متطوعة لعلاج الجرحى في المخيمات الفلسطينية بالجنوب اللبناني.
وبالفعل عاونها وتوسط لها فانفتحت أمامها جميع الأبواب المغلقة، بل وتطورت علاقات أمينة المفتي بالقادة الكبار في المنظمات الفلسطينية المختلفة، حتى جاء يوم قابلها فيه الزعيم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وصافحها وقال لها: “إننا نفخر بالمتطوعات العربيات من أمثالك”، وقابلته بعدها كثيرا، وفي إحدى لقاءاتها به قدمت له تقريرا عن السلبيات والمشاكل الموجودة داخل المخيمات والتي تعوق عملها كطبيبة تقوم بمداواة الجرحى، فأبدى اهتمامه بالتقرير وأوصى مدير مكتبه بالتحقيق في الأمر، كما أوصى بعلاج هذه المشاكل، وبذلك تقربت منه أكثر وازدادت ثقته فيها أكثر وأخبرها أن مكتبه مفتوح لها في أي وقت، بل والأكثر من ذلك كله أنها حصلت منه على تصريح يضمن لها التحرك في أي مكان.
وهكذا كانت أمينة المفتي في الظاهر تضمد جراحات المصابين في مختلف المخيمات الفلسطينية بالجنوب اللبناني، وتبث فيهم روح الإرادة والحماس لاستكمال العمل الفدائي، بينما كانت عيناها في الحقيقة تلتقط صورا لكل ما تقع عليه داخل المخيمات وتخزنه في الذاكرة، وكانت أذناها كجهاز التسجيل تسجلان كل ما يصل إليهما، وحفظت أسماء القادة الفلسطينيين وعلمت كل شيء عن أنواع وأسماء الأسلحة التي كان يستخدمها الفدائيون الفلسطينيون.
ومن خلال تحركات أمينة المفتي داخل المخيمات الفلسطينية حصلت على كثير من الأسرار التي لا تقدر بمال عن تحركات الفدائيين وتنظيماتهم وعملياتهم الفدائية التي يعزمون القيام بها، فكانت تجمع هذه المعلومات وترسلها إلى قيادات الموساد الذين تأكدوا أن بحوزتهم كنز ثمين لا يقدر يمال اسمه أمينة المفتي.
وبينما هي على هذه الحال من التحرك والعمل بأمان داخل جميع المخيمات الفلسطينية، وبينما هي فذ لحظة استرخاء على كرسيها داخل مقهى الدولشي فيتا الواقع على شاطئ الروشة إذا بسيارة جيب تتوقف وينزل منها ثلاثة من الجنود الفلسطينيين يحيطون بها وبلهجة شديدة وبطريقة فظة يقولون لها: “نعرف أنك هنا، وعليك مرافقتنا حالا”.
وكاد فنجان القهوة يسقط من يدها، ودون أن تتفوه بكلمة واحدة، خرجت أمينة المفتي بصحبتهم وقد ألجمت الصدمة والمفاجأة لسانها، ووسط تضارب أفكارها عن سبب ما حدث وبينما هي بصحبتهم داخل السيارة التي انطلقت بهم بسرعة شديدة، وإذا بها تتبول لا إراديا من الخوف والرعب وفكرت حينها أن تبتلع كبسولة سم السيانيد _التي تحملها دوما_ وتنتحر وتريح نفسها بدلا من أن تقع أسيرة في أيدي هؤلاء الفلسطينيين.
وبينما أمينة المفتي تجلس بجوار سائق السيارة غارقة في اضطرابها وبولها، إذا بها تسمع صوت أحد الجنود الموجودين خلفها يحث السائق على زيادة سرعته لكي يلحقوا الأعداد الكبيرة من الجرحى الذين يحتاجون إسعافا فوريا، عندها أفاقت مما هي فيه وسألت الجندي عن الأمر، فأخبرها أن الجيش الإسرائيلي قد قام بقصف معسكرا فلسطينيا بالقرب من مخيم عين الحلوة في صيدا، ولأن هناك عجزا كبيرا في الأطباء المتطوعين فقد دلهم على مكانها مكتب الأمن الفلسطيني.
وعندها استجمعت أمينة المفتي شجاعتها وصرخت في الجندي الذي خاطبهها داخل المقهى ووصفته بالغباء، ثم قالت لهم: “أهكذا تستدعون ضيوفكم؟”، وأقسمت أن تقوم بتقديم شكوى للزعيم ياسر عرفات شخصيا، وعندما توقفت السيارة عند عيادة مخيم “شاتيلا” لم تنتبه أمينة المفتي لاعتذار الجنود إليها بل طلبت منهم أن ينزلوا من السيارة ثم يستدعوا لها ممرضة من العيادة، وعندما جاءتها الممرضة طلبت منها أن تأتيها بملابس نظيفة وبطانية، ووضعت الممرضة البطانية على زجاج السيارة بينما استبدلت أمينة المفتي ثيابها، ثم انطلقت بأقصى سرعة لتداوي جراح المصابين الموجودين داخل عيادة المخيم.
وأخبرت أمينة المفتي الأمير الأحمر علي حسن سلامة _الذي قدم لها نفسه على أنه رجل الأعمال الفلسطيني كمال ياسين_ بما حدث لها، ووصفت له معاناتها النفسية بسبب أسلوب اقتيادها اللا إنساني، وهكذا نجت الجاسوسة عميلة الموساد مما ظنته نهايتها، وأكملت مسيرتها وتحركاتها لجلب المعلومات، ونجحت في تجنيد أصدقائها “مانويل عساف” و”مارون الحايك” و”خديجة زهران” للعمل مع الموساد، وهكذا وبعدما كانت تستقي منهم المعلومات كمصادر لها، أصبحوا يعملون معها مكونين شبكة تجسس تعمل للموساد من داخل الأراضي اللبنانية.
وكانت أمينة المفتي تتحصل على المعلومات التي تقدمها لجهاز الموساد بطرق مختلفة، فمثلا كانت تحصل على معلومات عن طريق عملها كطبيبة داخل المخيمات الفلسطينية، حيث وثق فيها الفدائيون وكانوا يتحدثون أمامها عن خططهم لضرب إسرائيل، وأحيانا أخرى كانت تحصل على المعلومات عن طريق الشبكة التي كونتها، وأحيانا كانت تحصل على المعلومات عن طريق بعض الضباط الفلسطينيين الذين أقامت معهم علاقات جنسية، وبينما هم يستمتعون بما تقدمه لهم من فنون الجنس والإغراء كانت تستدرجهم ويخبرونها بتفاصيل دقيقة ومهمة عن أبرز العمليات الفدائية التي يخططون للقيام بها.
وهكذا تحصلت أمينة المفتي على الكثير من المعلومات عن تحركات الفدائيين الفلسطينيين وتنظيماتهم وخططهم المستقبلية، فكانت إسرائيل تترصد لهذه العمليات، وتقضي على الفدائيين وتقتل منهم العشرات، ولا تكتفي بهذا بل كانت بعد كل عملية فدائية ورغم قضائها عليها إلا أنها كانت تنتقم انتقاما شديدا، وذلك بضرب معسكرات الفلسطينيين داخل الأراضي اللبنانية.
وتمر الأيام بأمينة المفتي في لبنان، وتؤدي عملها على أكمل وجه، وفي إحدى جلساتها مع الأمير الأحمر علي حسن سلامة الذي يلقاها كأحد رجال الأعمال وأخبرها أن اسمه كمال ياسين، إذا بهذه الجاسوسة عميلة الموساد تخطئ خطأ فادحا لا يغتفر، وذلك أنها وسط حديثها معه سألته عن أولاده وعن صحتهم، وبينما لم تنتبه هي لخطئها الفادح قام هو بتوجيه رجاله إلى ضرورة التحري عنها ومعرفة كل التفاصيل المحيطة بعملها.
وبالطبع فإن رجل مخابرات محنك مثل الأمير الأحمر علي حسن سلامة يتذكر جيدا أنه لم يتحدث مطلقا عن حياته الشخصية أمام أمينة المفتي، هو فقط قدم لها نفسه كرجل أعمال فلسطيني ولم يذكر لها شيئا عن حياته الأسرية، ولم يذكر أمامها يوما هل هو متزوج أو لديه أولاد، إذا لماذا تسأل عن أولاده، وتساءل في نفسه عمن تكون هذه السيدة الجالسة أمامه؟ وبسبب حسه الأمني العالي فقد بدأ علي حسن سلامة يشك في أمينة المفتي ولذلك فإنه طلب ضرورة التحري عنها.
ووسط كل هذه الشكوك جاءه خبر من أوروبا زاد من هذه الشكوك وأكدها، فما هو هذا الخبر الذي أتى من أوروبا وزاد من الشكوك حول أمينة المفتي، هذا ما سنعرفه الحلقة الأخيرة القادمة بإذن الله فانتظرونا
المصادر
خطاب معوض خطاب