وضع القانون المدني وقانون العقوبات وقانون الخدمة المدنية إطاراً وحدوداً لمسئولية الموظف العام وأسباباً لإباحة أفعاله وإجراءاته مهما ترتب عليها من ضرر للغير، غير أن مجرد انتفاء أحد هذه الأسباب المقررة للإباحة يضع الموظف العام تحت طائلة المسئولية مدنياً (بالتعويض) أو جنائياً أو تأديبياً، وذلك على الإيجاز التالي:
تنص المادة 167 من القانون المدني على أنه: “لا يكون الموظف العام مسئولاً عن عمله الذي أضر بالغير إذا قام به تنفيذاً لأمر صدر إليه من رئيس، متی کانت إطاعة هذا الأمر واجبة عليه، أو كان يعتقد أنها واجبة، وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه، وكان إعتقاده مبنياً على أسباب معقولة، وأنه راعى في عمله جانب الحيطة.
وتنص المادة 63 من قانون العقوبات: “لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري فى الأحوال الآتية:
أولاً: إذا إرتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه.
ثانياً: إذا حسنت نيته وإرتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه.
وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري، وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة”.
كما تنص المادة 58 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أن: “كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً.
ولا يعفى الموظف من الجزاء استناداً إلى أمر صادر إليه من رئيسه إلا إذا ثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس، بالرغم من تنبيهه كتابةً إلى المخالفة، وفي هذه الحالة تكون المسئولية على مُصدر الأمر وحده.
ولا يسأل الموظف مدنياً إلا عن خطئه الشخصي”.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: “من المقرر أن طاعة المرؤس لرئيسه لا تكون فى أمر من الأمور التى يحرمها القانون و قد جعل القانون أساساً فى المادة 63 من قانون العقوبات لمنع مسئولية الموظف الجنائية أن يكون فيما قام به حسن النية، وأنه قام أيضاً بما ينبغى له من وسائل التثبت و التحرى و أنه كان يعتقد مشروعية الفعل الذى قام به أطاعه لأمر رئيسه و أن إعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة” .(طعن جنائي رقم 2040 لسنة 33 جلسة 1964/04/14 س 15 ع 2 ص 314 ق 61)
كما قضت بأنه: “من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى إرتكاب الجرائم و أنه ليس على مرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بإرتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه ، و من ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان مما لا يستأهل من المحكمة رداً” . (طعن جنائي رقم 1913 لسنة 38 جلسة 1969/01/06 س 20 ع 1 ص 24 ق 6)
كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: “قيام مانع أدبي يعفي الموظف من طلب كتابة الأمر الصادر من رئيسه “إذا إرتكب العامل مخالفة تنفيذا لأمر صدر إليه من رئيسه يعفي من الجزاء إذا توافر شرطان
1- أن يكون الأمر الصادر إليه من رئيسه مكتوباً.
۲-أن يقوم العامل بتنبيه الرئيس إلى المخالفة كتابة .
ويعفى العامل من المسئولية إذا أثبت أن ثمة إكراه أدبي أو معنوي شاب إرادته أو أفقده حريته سواء في طلب كتابة الأمر إليه أو في تنبيه رئيسه الى المخالفة ، ففي هذه الحالة يكون العامل فاقداً لحرية الإرادة في التصرف فقد تحيط بالمرؤوس ظروف لا تصل في مداها الى مرتبه الاكراه الذي يبرر عدم طلب كتابة الأمر أو التنبيه إلى المخالفة لكن هذه الظروف تمثل قيداً على حرية المرؤوس وتشكل صعوبة تدفعه إلى التسليم بالأمر الواقع والامتثال لتنفيذ الأمر المخالف .
وأثر هذه الظروف تخفيف الجزاء ويتعين الرجوع الى كل حالة على حده لدراسة ظروفها واستظهار طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ومدى ما يملكه الرئيس قبل المرؤوس من سلطات ” ( الطعن رقم 2611 لسنة 30 ق. عليا – جلسة 1986/4/29 )
وعلى ذلك استقرت أحكام محكمة النقض المصرية والمحكمة الإدارية العليا كما اتفق الفقهاء بشأن حدود هذه المسئولية ونوعها…..