ما أسباب سقوط دولة المماليك ؟
إيمان العادلى
ترجع أسباب سقوط الدولة المملوكية إلى عدة عوامل داخلية وأخرى خارجية، وذلك مثل:
أولاً: العوامل الداخلية:
1- تراجع زعامة المماليك في العالم الإسلامي:
على أثر نجاح المماليك في صد غزوات المغول وجحافل تيمورلنك وطرد الصليبيين من بلاد الشام، ادعى حكام مصر لأنفسهم دور الريادة في العالم الإسلامي، واعتبروا دولتهم مركز الإسلام ودار الخلافة، وحملوا لقب (حماة الإسلام والمسلمين)، وسادت أوساطهم نزعة التفرد الديني والسياسي.
ووفقًا لمفاهيم العصر كانت الزعامة معقودة للحاكم المسلم الأقوى، أي للسلطان القادر على حماية الإسلام والمسلمين.
إلا أن الوضع المميز الذي تمتع به سلاطين المماليك، تبدل في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ومطلع القرن السادس عشر
ظلَّ المماليك على مدى ثلاثة قرون يعتبرون دولتهم طرازًا نموذجيًّا للمجتمع المسلم العادل المحافظ على مبادئ الشرع، والواقع أن هذا المجتمع رفض كل البدع، وساده التقوى، وانتشر الإيمان الحقيقي بين فئاته، كما احتضن الخلفاء العباسيين، إضافةً إلى علماء الدين الذين كان لهم الرأي الصائب والكلمة المسموعة.
وتغير واقع الحال مع مرور الزمن، وأضحى الأمر بعيدًا كل البعد عن الصورة التي رسمناها، إذ إن معظم المسلمين بدءوا منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي يشعرون بتراجع دولة المماليك على الصعيد الاجتماعي، وجاهروا أن مصر أضحت بلدًا لا يطبق بعض مبادئ الشريعة الإسلامية[2].
كان التنظيم الإداري والعسكري في بداية العصر المملوكي نظامًا فعالاً وصارمًا، فعندما يعتلي سدة الحكم سلاطين أقوياء، يضبطون الأمور بحزم وحكمة.
لكن هذا التنظيم بدأ يفقد فعاليته تدريجيًّا، إذ إن الصلاحيات الواسعة التي منحها السلاطين للأمراء ضمانًا لولائهم قد أساءوا استعمالها، وأن السلاطين أنفسهم لم يقيدوا تلك الصلاحيات؛ مما أفسح بالمجال أمام الطامحين للخروج على الطاعة، وقد أدى التهاون في ضبط هذا التنظيم الذي حمل في طياته بذور الفساد، أن نمت هذه البذور وتفتحت؛ ففسخت أواصره وأفقدته تماسكه، خاصة في ظل حكم السلاطين الصغار والضعفاء، عندئذٍ يبرز الأمير القوي الذي يعزل السلطان ويجلس مكانه[4].
ثانيًا: العوامل الخارجية:
أدَّى الانشقاق الداخلي في صفوف المسلمين في العالم الإسلامي إلى إضعاف المجتمع الإسلامي تجاه العدو الخارجي، كما أن النزاع الديني الذي أعاق علاقات الشرق بالغرب أخذ يتفاقم من جديد في أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، وظلت الصليبية الغربية المتجددة هي العدو الرئيسي للإسلام والمسلمين كما كانت سابقًا.
فقد وجهت البرتغال ضربة قاصمة إلى قلب التجارة المملوكية مع الهند، وشكَّل الكشف الجغرافي وتواجد البرتغاليين في مياه الهند، وسيطرتهم على التجارة الشرقية كارثة حقيقية للدولة المملوكية، وقد هدف البرتغاليون من وراء ذلك إلى القضاء على مصدر ثراء هذه الدولة، الداعم لقوتها العسكرية، وقد نجحوا في ذلك وأنهوا فعلاً السيطرة المملوكية على المياه والتجارة الشرقية منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وتبع ذلك تدهور أوضاع الدولة الاقتصادية نظرًا لفقدانها موردًا حيويًّا ومهمًا مما أدى بدوره إلى زعزعة قوتها وثروتها.
كانت هذه الضربة الأولى التي وُجِّهت إلى الدولة المملوكية فأضعفتها.
أما الضربة الثانية
لتي قضت عليها، فقد جاءت على أيدي العثمانيين، وأنهى السلطان سليم الأول العثماني دور المماليك الفاعل في معركة مرج دابق، ثم قضى على دولتهم المستقلة في موقعة الريدانية، وورث ممتلكاتهم وألقابهم ليصبح حامي الإسلام والمسلمين[7].
وإنتهت دولة المماليك التي استمرت اكثر من 250 سنة تحكم مصر والعالم الإسلامي