شرين رضا
على صوت تغريد العصافير تفيق هناء من نومها.
تفتح عينيها على أشعة الشمس التي تتغلغل من بين فتحات نافذة الذكرى لتُداعبها.
تقوم فتهندم ثوبها، تقف أمام مرآة العمر تنظر لنفسها كما تفعل كل يوم.. تتنهد الآلام.. فاليوم ليس بجديد وسوف تقضيه كما اعتادت في ظل جدار الصمت.
فهي تعيش وحيدة منذُ وفاة زوجها ورحيل أبنائها عنها في غربة روحها الموحشة.
قامت وتوجهت للمطبخ لتخبز أوجاعها على شعلةِ الفراق المؤلم.
تقبع داخله تُعدّ فنجان قهوتها، تقف وتتذوق بعض ذكرياتها وتشاهد براعتها.
في إعداد الطعام المفضل لأبنائها.
والآن صار المطبخ خاليًا من ضجيج أوانيه وشغب أبنائها.
وصار الحزن يجلس هناك في تلك الزاوية البعيدة.. شاهدا على ذكراها الغائبة.
تحمل فنجان قهوتها.. تذهب وتجلس أمام نافذة الماضي لتلتحف بنسيم الهواء تحمل من أمامها ألبوم صور.
تمسك به تتصفحه لتسير ذكرياتها كسفينة بلا شراع لتعبر بها ثلاثين عامًا رست على ضفاف قلبها.
ذكرى زفاف أبنها وابنتيها وذكريات أحفادها.
تعود بظهرها للخلف تتنهد بداخلها الألم مرة بعد مرة من مر الفراق.
تُتمتم قائلة.. لقد طال غيابكم.
تستكمل رحلتها بين صفحاته المليئة بأفراح، وأعياد قضتها معهم ورحلتها في متابعة حياتهم.. واليوم هي وحيدة.
دق جرس المنزل.. قامت لتفتح وإذا بصديقتها علياء.
ترحب بها هناء ويتوجهان معًا إلى الداخل.
تجلس علياء على مقعد الذكرى المقابل لها تسألها عن أحوالها، وعن صحتها التي تراجعت مؤخرًا.
نظرت علياء لألبوم الصور.. أمسكت به وجلست تتصفحه.
نظرت لهناء بتنهد وحزن قائلة:
– هل ما زالتِ تتصفحين تلك الذكريات المؤلمة؟
رفعت هناء نظرها نحوها وعيناها تمتلئ بالدموع:
– اشتقتُ إليهم.
قامت علياء من مكانها واقتربت منها وظلت تربت على كتفيها قائلة: لا تحزني يا صديقتي فلعل يومًا يأتي ستعود فيه سفينتك مُحملة بذكرياتك الجميلة.
– التمس لهم العذر ولكن رحيلهم صار يقتلني.
حينها رن جرس المنزل فذهبت علياء وفتحت الباب.
وإذا بهناء تستمع لصوت ضحكات من خلفها لأبنائها الثلاث قائلين:
اشتقنا إليكِ يا أمي.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.