العاصمة

قرأت لك

0

متابعة عادل شلبى

قرأت لك قصة أعجبتنى لصديقى الرائع الجميل الذى نسينا أو تناسينا لأسباب لا نعلمها و الصديق الغالى الأديب التونسى الكبير رضا يوسف احمودى والقصة بعنوان الحرب … دروس
سنة 2012 زرت مصر … خلال إقامتى بفندق بالقاهرة أهديت كتابى “تأمّلات فايسبوكيّة” الى مديره … فور قراءته الإهداء استنتج بأننى ضابط سابق بالجيش التونسي… دعانى لعشاء خارج الفندق حيث اعلمنى بانه زميل سلاح وكان ضابطا بالجيش المصرى … تحدّثنا طويلا عن حروب المنطقة أسبابا ونتائجا وتأثيراتها على واقعنا الحالى … أبهرنى بثقافته التاريخيّة والعسكريّة … فى نهاية السهرة أبلغنى بأن حريفا وفيّا سينزل غدا بالفندق وهو ضابط عراقيّ سابق شارك في عدّة حروب ولاجئ بأوروبا حيث يشتغل فى التصدير والتوريد … طلبت منه برمجة لقاء ثلاثيّ معه لتبادل الآراء والأفكار .
فى الغد … ومساءا التقينا بفضاء الاستقبال ومنه تحوّلنا الى حديقة صغيرة حيث إخترت ركنا قليل الإضاءة نرى منه ولا نرى (بضمّ التّاء) … رجانا الضابط العراقى التنقّل الى مكان أكثر اضاءة لان النور الخافت يذكّره بالخنادق التى طالت اقامته فيها مدّة حرب الثماني سنوات ضدّ إيران … قلت له مازحا : مشكلتى أن الإضاءة الشّديدة تذكّرنى بالظّلام !!! … تدخّل الضابط المصرى وبمرونة اختار مكانا وسطا إضاءته مريحة .
كنت أصغرهم رتبة وكان العراقيّ أكبرنا رتبة … تبادلنا احتراما كبيرا وانضباطا صارما كأنّنا نشتغل فى نفس الوحدة .
لم يمضى أكثر من شهرين على قراءتى كتاب “ليلة سقوط بغداد” للإعلامى أحمد منصور… وصف الكاتب الدقيق لبغداد يجعل القارئ يعرف شوارعها الفسيحة والطويلة “بيت بيت زنقة زنقة” … تحدّثت عن بغداد وعن مطاعمها ومقاهيها ونهرها وتظاهراتها ومراكبها الصغيرة … ذكّرت بقصائد الشاعرة الكويتيّة سعاد الصباح حول عاصمة الرشيد … تفاجأنا بالدّموع وهي تصعد الى عيون أخينا العراقى قائلا بصوت حزين : لقد ذكّرتموني بجزئيات حاولت أن أنساها فلم أفلح .
مرّت السهرة مأثّثة بقصص رجل كانت الرصّاصة مسافة الأمان بين حياته وموته .
حدّثنا العقيد العراقيّ قال : فى أوائل الثمانينات وانا ضابط شاب برتبة ملازم اول … كنت فى مهمّة قتاليّة ضدّ الأكراد شمال العراق … طلب منى العميد آمر الوحدة توجيه مدافعى صوب قرية كرديّة والتهيّؤ للرمي عليها … أخذت المنظار لأشاهد القرية من بعيد تمهيدا للتصويب والرمي … فوجئت بتواجد أبقار وماعز ممّا يوحي بأن القرية عامرة بالسّكان … عدت للآمر طالبا منه السماح لنا برمي ثلاث قذائف مدخّنة 200 متر جنوب القرية لتمكين السكان من الهروب قبل قصف المساكن … رفض القائد الطلب وطلب الرمي المباشر وبقنابل متفجّرة … تمزّق ضميرى بين خوف من الآمر وخوف على حياة سكان القرية … اجتمعت بضباط الصف وأمرتهم بالرمي 200 متر جنوب القرية وبقنابل مدخّنة والانتقال بعدها الى الرمي المباشر بقنابل متفجّرة … فور بداية الرمي علم القائد بمخالفتى لأوامره زمن الحرب والتى قد تصل عقوبتها الى الاعدام … استدعى الشرطة العسكرية التي قيّدت يديّ ونقلتنى الى بغداد للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى .
صادف يوم المحاكمة حضور قاض صديق لأخى ودائم الزيارة لنا فى المناسبات … حكم القاضى عليّ بعدم سماع الدعوى نتيجة قلّة وضوح التعليمات التى تلقّيتها … بعدها تمّ نقلتى للعمل فى وحدة أخرى .
مرّت السنين … وحدث ما حدث في العراق … والضابط اليوم يشتغل فى أوروبا مع أكراد أكرموه ووثقوا به وجعلوه شريكا لهم فى مشاريعهم الرابحة وهو الآن يعيش معهم كأخ عربيّ مكرّم معزّز .
لفت إنتباهى وفاء الضابط للرئيس صدّام حسين مع اعتراف بأخطائه التى جرّت العراق الى الحالة التى فيها اليوم … وأول أخطائه غزوه للكويت بلد الأميرة الشاعرة سعاد الصباح التى تغنّت كثيرا ببغداد .
بإختصار :
للسّلطة ملائكتها وشياطينها .
وللأحزاب كذلك .
الى قصّة أخرى مشوّقة من قصصه قريبا ان شاء الله

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

آخر الأخبار