العاصمة

قرأت لك في ذكرى أكتوبر صاحب فكرة تحطيم خط بارليف

0
طارق سالم
فكرة خراطيم المياه كانت إلهاما من الله وحدثت المعجزة على كل المستويات الاستراتيجية وتحقق
النصر العظيم كانت هذه آخر كلمات اللواء باقي زكى يوسف صاحب
فكرة تحطيم خط بارليف والذي كان بمثابة بداية العبور لنصر 6 أكتوبر الذي نحتفل اليوم بذكراه الـ 45.
فحين تمر ذكرى انتصارات أكتوبر لا يمكن إغفال الحديث عن “خط بارليف” أقوى خط تحسين دفاعي في التاريخ
العسكري إذ يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم
داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة وكان لا بد من تحطيمه حتى تعبر ناقلات الجنود والدبابات
إلى سيناء لتبدأ الحرب التي انتهت بالنصر الذي أزاح
عن البلاد الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الحصن صممه الجنزال حاييم بارليف رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي حينئذ، ليفصل سيناء عن الجسد
المصرى بشكل نهائى ويحول دون وصول الجيش المصري
إلى الضفة الشرقية للقناة من خلال إنشاء ساتر ترابي منحدر ومرتفع ملاصق لحافة القناة الشرقية بطول القناة
من بورسعيد إلي السويس. ليضاف للمانع المائى المتمثل فى قناة السويس.
يتكون الخط من تجهيزات هندسية ومنصات للدبابات والمدفعية وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية
ميكانيكية (22 موقعا دفاعيا و 26 نقطة حصينة) بطول 170
كم على طول قناة السويس وتم تحصين كل مبانيه بالكتل الخرسانية و قضبان السكك الحديدية المأخوذة من
سكك حديد سيناء وتغطيتها بأطنان من الصخور والرمال
لامتصاص كل أشكال القصف الجوى والأرضى مهما كان حجمه.

 

كان الساتر الترابي “خط بارليف” المحاط بالأسلام الشائمة والألغام وأنابيب النابالم الحارق أسفل مياه القناة
يعلو يوما بعد يوم فهو مكون من كثبان رملية طبيعية تكونت
من ناتج حفر قناة السويس وأوصلها الإسرائيليون بكميات أخرى من الرمال حتى أصبحت درجة من الساتر الترابي
مع قاع القناة “80 درجة” وارتفاعه ما يقرب من 20 مترا
يصعب الصعود عليه أو انهياره.
كان هذا الحصن عائقا كبيرا أمام الجيش المصري لاسيما بعدما أكدت دراسة أجراها خبراء العسكرية السوفيتية
أن الساتر الترابي لا يمكن تحطيمه إلا بقنبلة نووية وهو
من المستحيل استعمالها نظرا لتلاصق القوات المصرية والإسرائيلية فضلا عن عدم امتلاك مصر لها.
تحطيم خط بارليف أمر حتمي أمام الجيش المصري حتى تعبر ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء
ولكن ربما كانت أكبر المعضلات أمامه هي كيفية فتح الثغرات
في الرمال والأتربة التي لا تؤثر فيها الصواريخ وهنا كانت الخطة العبقرية التي وضعها “اللواء أركان حرب المهندس باقي زكي يوسف”.
فتح ثغرات الساتر الترابي بواسطة خراطيم المياه القوية كانت هذه الفكرة التي جالت بخاطر اللواء
“باقي زكي يوسف” وتم تنفيذها على أرض الواقع ونجحت القوات المصرية في العبور.
كان “باقي زكي” الذي ولد عام 1931، قد تخرج من كلية الهندسة جامعة عين شمسس قسم ميكانيكا
عام 1954، والتحق بالقوات المسلحة في ديسمبر 1954 وتدرج
في القوات المسلحة بجميع الرتب والمواقع المختلفة حتى رتبة لواء “باقي زكي يوسف”.
عمل “باقي زكي” لسنوات بالسد العالي وهو ما ساعده في التوصل إلى فكرة “خراطيم المياه”
لفتح ثغرات خط بارليف وقد عرض فكرته هذه على لواء أركان حرب

 

“سعد زغلول عبد الكريم” خلال اجتماع مع قائد الفرقة (19) في أكتوبر عام 1969بمنطقة عجرود من
الضفة الغربية للقناة لتحديد مهام الفرقة وتخطي عقبات العبور .
عرض “سعد زغلول” مهمة عبور قناة السويس بالتفصيل على رجاله وطلب من كل رئيس تخصص
عرض أفكاره حول هذه المهمة واستمع لآراء رؤساء التخصصات في كيفية
التغلب على الساتر الترابي فمنهم من قال بالقنابل وآخر بالصواريخ والمفرقعات والمدفعية وجميع
هذه الآراء أشارت إلى توقيت فتح الثغرات داخل الساتر الترابي يتم
في خلال 12-15 ساعة وكانت هذه المقترحات والأفكار في غاية الصعوبة لتنفيذها من خسائر مادية وتستغرق وقتا طويلا.
ولكن ثمة فكرة أخرى خطرت في ذهن المهندس “باقي زكي” إذ كان يعتمد في عمله السابق
بالسد العالي على استخدام المياه المضغوطة لتجريف جبال الرمال ثم
سحبها وشطفها في أنابيب خاصة من خلال مضخات لاستغلال مخلوط الماء والرمال فى أعمال
بناء جسم السد العالى أما فى حالة الساتر الترابى شرق القناة
فالمطلوب لفتح الثغرات به هو توجيه مدافع مياه مضغوطة إليه لتجرى رماله إلى قاع القناة وعن طريق هذه الثغرات يتم عبور المركبات والمدرعات إلى عمق سيناء
“ربنا حط المشكلة وجنبها الحل يافندم” هكذا لخص اللواء “باقي زكي يوسف” فكرته لتحطيم خط بارليف وعليه فقد طلب قائد الفرقة منه إعداد تقرير فنى وافى وصل
فيما بعد إلى يد الرئيس جمال عبد الناصر أثناء أجتماعه الأسبوعى بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة حتى أمر عبد الناصر بتجربتها وإستخدامها في حالة نجاحها .
من هنا بدأ “باقى زكى” في تصميم مدفع مائى فائق القوة لقذف المياه فى إمكانه أن يحطم ويزيل أى عائق أمامه أو أى ساتر رملى أو ترابى فى زمن قياسى قصير
وبأقل تكلفة ممكنة مع ندرة الخسائر البشرية وقد صنعت هذه المدافع المائية لمصر شركة المانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات سوف تستخدم فى مجال إطفاء الحرائق
وعليه فقد قامت إدارة المهندسين بالعديد من التجارب العملية والميدانية للفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارا من سبتمبر عام 1969 حتى عام 1972 بجزيرة البلاح
بالاسماعيلية حيث تم فتح ثغرة فى ساتر ترابى أقيم ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة.
نجحت التجربة وانطلقت منها حرب أكتوبر وتحطمت أول ثغرة فى الساتر الترابى الساعة السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر 1973 وتم الأنتهاء من فتح 75 %
من الممرات المستهدفة ( 60 ) ممرا حوالى الساعة العاشرة من مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بعد أنهيار نحو 90000 متر مكعب من الرمال إلى قاع القناة.
شيئا فشيئا كان الساتر الترابي يتحطم على يد الجنود المصرية وهي تعبر خط بارليف وعبر أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية فى الساعة الثامنة
والنصف من مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973.
هكذا كان لـ”باقي زكي” دورا كبيرا في العبور والانتصار بفكرة حطمت ما كان لقوة “قنبلة نووية” أن تحطمه ولهذا تم منحه نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى
عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة في مواجهة العدو بميدان القتال في حرب أكتوبر تسلمه من يد الرئيس الراحل أنور السادات في فبراير
1974 وأيضا وسام الجمهورية من الطبقة الثانية تسلمه من الرئيس حسني مبارك بمناسبة إحالته إلى التقاعد من القوات المسلحة عام 1984.
وبينما تحل الذكرى الـ 45 انتصارات أكتوبر التي كان فيها “اللواء باقي زكي يوسف” بمثابة مفتاحا للعبور يرقد هو في التراب بعد أن رحل في 23 يونيو 2018 الجاري ولكن
لايزال حاضرا باسمه وفكرته التي حطمت حصن العدو الإسرائيلي.

اترك رد

آخر الأخبار