
كثير من الناس لا يحب الكلام عن الموت، فهو إنسان شغلته دنيته فانكب عليها، وغفل قلبه عن ذكر الموت، بل كرهه ونفر منه! فهذا إنسان في غفلة شغلته دنيته عن أخرته.
قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ٢٢﴾ سورة ق.
قال البغوي في تفسيره للآية: [(لقد كنت في غفلة من هذا) اليوم في الدنيا (فكشفنا عنك غطاءك) الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك (فبصرك اليوم حديد) نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وروي عن مجاهد قال: يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك].
وقال عطاء بن أبي رباح وغيره: ذكر الموت يعطيك ثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، والرضا بالقليل، النشاط في العبادة. فذكر الموت يجعلك تنزعج من ذكر الدنيا وما فيها فهي الدار الفانية، ويكون انشغالك كله بالدار الأخرة الباقية.
وتذكر ان عند الموت (كشفنا عنك غطاءك): أي رأيت الحقيقة، رأيت الحق، رأيت الواقع-سبحان الله- ولذلك كثير من الصالحين لما يراهم أولادهم الصالحون في الرؤية يقولون لهم: إن الأمر صعب وليس سهلًا، بل لابد من توبة، لابد من استقامة، لا تغرنكم الدنيا أسرعوا وعجلوا بالتوبة.
أعيدوا الحقوق لأصحابها. وكأنهم يقولون: يا أهلنا يا أحبابنا يا من سكنتم ديارنا، وأخذتم أموالنا لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتنا، واعلموا أنما الأموال لكم والحساب عليكم.
وكما قيل: الموت يعمنا، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، والله يفصل بيننا، فلا تجد إلا ما قدمت يداك. قال تعالى: ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ٨﴾. سورة الزلزلة.
قال رجل لخاله وكان عالمًا: يا خالي أوصني. قال له: قل ثلاث كلمات: –
الله ناظر إلىّ،
الله شاهد عليّ،
الله لا تخفى عليه خافية.
فالموت يعمنا والقبر يضمنا: يضم الظالم والمظلوم، يضم المتخاصمين أمام القضاء بالسنوات حتى تأخذ المرأة المطلقة حقها من زوجها الذي يتهرب من الأنفاق على أولاده فيقدم أوراق مزورة حتى يبين للقاضي أن مرتبه قليل، فيحكم القاضي بنفقة صغيرة لا تكفي شيء. أو كالذي يأكل أموال اليتامى والذي يمشي بين الناس بالنميمة حتى يوقع العداء بينهم. والذي يسرق أو يقتل أو يكذب أو…. …..وغيرها كثير في المحاكم قضايا لا حصر لها. كما أن القبر سيضمنا، فسيأتي يوم الحساب ويجمعنا، ولا نحتاج ساعتها إلى محامي او وسطة أو أوراق مزورة أو غيره من تزييف الحقائق، لأننا سيحكم بيننا العادل الذي يمهل ولا يهمل والذي لا يخفى عليه شيء ، سيحكم بيننا الله العدل.
عندما ترى الحقيقة