رسائل إلى صديقتي المكتئبة الرسالة الأولى
،
بقلم سلمى شعبان
الدمام-دهب
صديقتي العزيزة روز،
تحيات وقبلات وأشواق وحضن سلحفاة أعمق مما تتخيلي، أما بعد،
أكتب لك من قلب الدمام، وإن كنت لم تزوي الدمام من قبل فهي عروس المنطقة الشرقية بالسعودية، ومن المدن الساحلية الجميلة جدًا ويقصدها الكثير من الخليجيين، لا أكتب لك عنها لتعرفيها ولكن لأخبرك أني حاليًا أسكن في أقرب نقطة لكورنيش الدمام، ومع ذلك فلم ولن يسعدني الحظ بالبقاء بالقرب من الساحل أو البحر بسبب الرطوبة المتزايدة والتي بدورها تزيد من دور حساسية الصدر لأولادي. وعليه نتجه في زيارة طويلة للدكتورة من أجل جعبة محملة بالأدوية والمضادات وليال من جلسات البخار. وعليه أيضًا –بأخدها من قصيرها- ولا أذهب.
قرأت رسالتك بشغف شديد وتمعن، وشعرت بما تشعري به من خوف ورعب كبير، ربما بسبب الاكتئاب كما ذكرتي، وربما صديقتي بسبب الغربة اللعينة. أتدري أنني اكتشفت مؤخرًا أن الغربة لا تتمثل فقط في ركوب الطائرة والسفر بعيدًا عن الوطن؟ فالغربة نومة بعيدًا عن سريري وأشيائي التي آلفتها. والغربة عندما تتحدثين مع أشخاص لا تعرفينهم ويعرفوكي. الغربة هي التواصل مع أشياء كثيرة وأشخاص أكثر لم نتواصل معهم من قبل. ومع الإحساس بثقل هذا التواصل يتولد عندي الخوف من كل شيء. أنا أعيش هنا مثلك تمامًا وأحيانًا أشعر بالخوف وأنا لا أدري لماذا بالتحديد. فكل شيء على ما يرام، أو هكذا أراه. الأولاد بخير وزوجي في العمل: وأنا ألهو دائمًا، بل أنني حاليًا في انتظار الإجازة بعد مرور ثلاث سنوات طويلة ومملة هنا. ولكن الخوف يلازمني.
هو بالتأكيد ليس بضراوة ما تشعرين به، ولكنه خوف صامت، يعصف بي وحدي، وأتناساه في أعمال المنزل وحديثنا الآن، والذي اعتقد أنه سيخفف من وطأته. أرى الخوف من المجهول أصعب من أي خوف فأنا لا أخاف شيئًا بعينه، ولكني أخاف أن يحدث أي شيء يعكر صفو حياتي: التي لا أري فيها أي صفو سوى الاستقرار الرتيب.
أسعدني خبر انتقالك للعيش بدهب، التي لم أزورها من قبل، تجربة الغربة في حد ذاتها تصنع من الإنسان شخصًا أخر. أساليني أنا! فقد آنست الوحدة، وتعلمتها، ولم يعد يخيفني النوم أو البقاء لساعات طويلة في الظلام الدامس. لم أعد أهاب المشاكل بل تولد لدي إصرار على المواجهة أكثر من السابق، ولكنني فقدت براءة ما كنت أعتقد أنها ستستمر معي إلى الأبد، براءة أن الجميع طيبون ويكنون كل طيب.
أقدر خوفك من التحرش: أقدره بشدة، بل أشعر أنني أخاف من النزول مخافة أن يتعرض لي أحدهم، ولكن أقول. التحرش من الغريب مقدور عليه، فقط أقول لنفسي إذا ما أقترب أحدهم فلأطلق ساقي للريح! فالأمور السيئة ستحدث لنا، ليعقبها أمور حسنة تنسينا ما حدث من سيء. فإن لم يحدث السيء كيف لي أن أعرف بالحسن والطيب. هكذا أحاول أن أفسر.
أما عن الأصدقاء، فهم هنا وليسوا هنا. هم في قلبي وأذكرهم كثيرًا، ففي الغربة لا يذكرك أحد لأنه ببساطة شديدة – البعيد عن العين بعيد عن القلب. هذا ما أدركته. مهما حاولت التواصل. في النهاية أصل لنفس النتيجة. فعالجت نفسي من فكرة العتاب والزعل منذ زمن بعيد. وإن جرفني شوقي إليهم، أهاتفهم، وأنا أعلم أنهم لن يفعلون إلا في المصايب. ولكن يكفيني منهم إحساسهم بحاجتهم إلي. ولكن في الغربة أيضًا ستتعرفين على الناس “الجدعة” وهم ببساطة من يحلون الأزمات ويمسحون الدموع ويشاركون الهم حتى ولو بمكالمة هاتفية.
صديقتي،
تمتعي بمغامرتك، ففيها قدر كبير من الشجاعة والإقدام، ولا تخافي، فكل الشجعان قد مرت بهم لحظات الخوف الكبير وواجهوها وانتصروا. فلنكن مثل هؤلاء أو فلنحاول لعلنًا نكتشف أنفسنا من جديد.
أسعدني لقائنا بالكلمات والثرثرة اللطيفة، في انتظار المزيد من الرسائل.
الدمام
أثناء مشاهدتي لآخر مشهد من فيلم عروس النيل
7-7-2020