المجلس الأعلى للثقافة” يسلط الضوء على مفهوم الإبادة
”
علاء حمدي
نظمت لجنة التراث الثقافي غير المادى بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررها الدكتور محمد شبانة، محاضرة “مفهوم الإبادة أصوله ونظرياته وأهميته المعاصرة” اتجاهات بينية من منظور جديد، الانثروبولوجيا والتاريخ المخفي بين المؤرخين والأنثروبولوجيين، تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، وبإشراف الدكتور هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ألقى المحاضرة وقدمها البروفيسور علي عبد اللطيف حميدة، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة نيو إنجلند بالولايات المتحدة الأمريكية، وأدارت المحاضرة الدكتورة نهلة إمام خبيرة التراث الثقافي غير المادي باليونسكو ومستشارة وزيرة الثقافة المصرية لشئون التراث،وشارك في التعقيب على المحاضرة أعضاء لجنة التراث الثقافي غير المادي بالمجلس.
و تناولت المحاضرة مدخلًا جديدًا لفهم الاتجاه البيني المتداخل في العلوم الاجتماعية الإنسانية بالتركيز على النظرية، والأنتربولوجيا والتاريخ المخفي وهي نتائج عقدين من الدراسة الأرشيفية والميدانية لضحايا السجون الاستعمارية.
وتحدث البروفيسور على عبد اللطيف عن الإبادة الجماعية في ليبيا على يد الفاشية الإيطالية وقال إن هناك محاولات تجاهل هذه المرحلة الوحشية لأكثر من 80 سنة حتى الآن. وأضاف أن سكان ريف شرق ليبيا، قد اعتقلوا في معسكرات الاعتقال بحلول العام 1934، ولم يبق منهم غير 40 ألفا فقط على قيد الحياة وسط عمليات الإعدام التي جرت على نطاق واسع آنذاك. وأضاف إن الإبادة الجماعية في ليبيا التي ارتكبتها إيطاليا الاستعمارية أسفرت عن فقدان 83 ألف مواطن ليبي مع انخفاض عدد السكان من 225 ألف نسمة إلى 142 ألف مواطن ، وأجبر حوالي 110 آلاف مدني على السير من منازلهم إلى الصحراء القاسية، حيث جرى اعتقالهم في معسكرات مروعة. ومن بين هؤلاء المعتقلين نحو 60 إلى 70 ألف ليبي (بما في ذلك الرجال والنساء وكبار السن والأطفال) معظمهم من سكان الريف»، فضلا عن نفوق ثروة حيوانية قدرت بنحو 600 ألف من الماشية.
وأكد أن هذا القتل الجماعي والتدمير للناس والثقافة نتيجة لمقاومة استمرت 20 عامًا ضد الاستعمار ومثلت، بكل المقاييس، إبادة جماعية قائمة على خطة استعمارية عنصرية لسحق المقاومة المحلية وتوطين الفلاحين الإيطاليين الفقراء في المستعمرة. وضرب أمثلة على أدوات طمس هذه الجريمة، بما قام به المستعمر الإيطالي من حجب أنباء الإبادة الجماعية؛ وتدمير الأدلة. وقال أن كتابه بعنوان ” عن التاريخ الخفي للاستعمار الإيطالي في ليبيا” هو نتاج رحلة اكتشاف شخصية وأكاديمية طويلة بدأت منذ ما يقرب من عشرين عام.
وقال أن هذا التاريخ المخفي لا يتعلق فقط بوحشية استعمارية حزينة، ولكنه يتعلق بليبيا وإيطاليا، وقبل كل شيء، اكتشاف ثقافة شفوية إبداعية ديناميكية، وقال أن اكتشاف روايات الناجين الأحياء وثقافتهم أهم مساهمة له قبل كل شيء، أتيحت له الفرصة للقاء والاستماع إلى مئات الليبيين العاديين والتعرف على شغفهم وآرائهم حول التاريخ الاستعماري والإنسانية.
وأضاف أن دراسته لعملية الإبادة البشرية التى مارسها الاستعمار الإيطالى تحت حكم «الفاشية» البغيضة، تشكل مجرد جزء من المنظور الشامل لدراسات الإبادة فى المستعمرات، وخاصة فى إفريقيا، كأسلوب خاص من أساليب محاولة إخماد المقاومة الوطنية، كما جرى عليه الحال فى بلدان عديدة مثل إثيوبيا (التى خضعت بدورها للاستعمار الإيطالى أيضا بين الحربين) وناميبيا، حيث الاستعمار الألمانى، وغيرها.
وأكد أن اهتمامه لم يكن منصبا على موضوع الإبادة البشرية الجماعية فى ليبيا، كحدث منفرد، ولكن كحقل للدراسة الموسّعة للظاهرة التى تمتد فتطل بظلالها على بلدان من عديد القارات حتى القارة الأوروبية لنفسها.
وقال إنه ليس من المبرر علميا إغفال دراسة ظاهرة الإبادة خارج الوطن العربى عموما، وليبيا خصوصا، فهى جميعا ينتظمها سلك واحد، تمت تجربته بطرق متشابهة، لتؤدى وظيفة مشتركة فى دراسات المقاومة الوطنية للاستعمار، بما فيها، على سبيل الخصوص، المقاومة الجزائرية البطلة ضد الاستعمار الفرنسى الذى مارس بدوره نهج الإبادة، فى إطار أوسع للبحث، كما تجلى فى كتابات عديدة، مثل أعمال «فرانز فانون».
ووجه دعوة للباحثين العرب، فى شتىّ أقطارهم، للبحث عن الحقيقة فى مختلف أماكنها ومن مصادرها الأصلية، وتحمل المخاطر فى سبيل ذلك لسنوات طويلة، بغرض إجلاء الحقيقة، مهما كانت المتاعب أو المخاطر التى قد يتعرض لها
وأكد على أهمية طريقة التاريخ الشفوى الذى ينقب فى الشهادات الحية، والأغانى، والقصائد، والألعاب الشعبية، وكل ما عدا ذلك من منابع البحث العلمى الأصيل بطرقه المستحدثة والمبتكرة فى شتى الميادين.