تهيأ الجميع في مصر لاستقبال خبر إعدام الجاسوس “إبراهيم شاهين” وزوجته الجاسوسة “إنشراح علي مرسي” بعدما ثبتت
عليهما تهمة الخيانة العظمى، ولكن حدثت المفاجأة التي صدمت الجميع وأصابت الكثيرين بالحيرة، فقد انتشر خبر في ربوع مصر كلها بأن الجاسوسة إنشراح قدمت التماسا للسيد رئيس الجمهورية
تطلب فيه العفو عنها.
وبالفعل نشر هذا الخبر في الجرائد الرسمية المصرية وقتها، كما ظهرت إنشراح في برنامج “النادي الدولي” الذي كان يقدمه الفنان
المصري سمير صبري، وفي هذا البرنامج أبدت إنشراح ندمها الشديد على ما اقترفته في حق مصر، كما قامت بتقديم الشكر
للسيد رئيس الجمهورية الذي قبل التماسها الذي قدمته لكي تربي أولادها، ولتفضله بإصدار قرار بحفظ القضية والعفو عنها، والسماح
لها بالخروج من السجن بعد أن قضت فيه ما يقرب من 17 شهرا، وطلبت إنشراح أن يتم السماح لها بتقبيل يد السيد الرئيس عرفانا بجميله.
والملفت في هذه المقابلة أن الجاسوسة إنشراح علي مرسي ظهرت وهي تبكي طوال مدة البرنامج، وكانت تنظر إلى الأرض، وتقول إنها
طوال فترة سجنها كانت قد اتجهت إلى الله وأن إيمانها بالله زاد، وأنها ولأول مرة في حياتها بدأت تصلي وتقرأ القرآن وتتقرب إلى
الله وهي في السجن، كما قالت إنها كانت تشعر بأن الله يقف معها.
وهكذا خرجت الجاسوسة إنشراح علي مرسي بعفو من رئيس الجمهورية، والسبب المعلن وقتها أن خروجها كان لكي تربي أبناءها
وتحميهم من التشرد، وترددت أنباء وقتها أن العفو عنها تم في إطار صفقة غير معلنة تم فيها الإفراج عن بعض الأسرى المصريين لدى
إسرائيل، ثم حدث في يوم 16 يناير سنة 1977 أن تم تنفيذ حكم الإعدام في زوجها إبراهيم شاهين بسجن الاستئناف بالقاهرة، وبعد
مرور 3 سنوات على العفو عن إنشراح تم الإفراج عن ابنها الأكبر نبيل، وهكذا اكتمل شمل الأم وأولادها الثلاثة واجتمعوا في الشقة الجديدة التي سكنوها بمنطقة الأهرام.
ولأن إنشراح ظهرت في التليفزيون المصري، كما نشرت صورتها في الجرائد المصرية، فقد أصبح شكلها معروفا لدى الكثير من
المصريين، وكانت كلما ظهرت في مكان هي وأولادها يلقون صنوفا من الإهانات والتوبيخ ممن يقابلونهم.
فإن كانت الدولة على المستوى الرسمي قد منحت إنشراح علي مرسي عفوا وسماحا، إلا أن من يلقاها من الشعب المصري لم يكن
ينسى لها أنها عملت بالجاسوسية، وأنها عادت أبناء وطنها وتسببت في مقتل الكثيرين منهم.
وعاشت إنشراح وأولادها أياما مرت عليهم كالسنين، وبدأت تشعر أن الزنزانة التي كانت فيها والسجن الذي سجنت فيه من قبل أهون
وأرحم مما تلاقيه من جيرانها ومن كل مصري تلقاه في الشوارع والأسواق، بل وفي كل مكان تذهب إليه، وبدأت تشعر بالغربة في مصر وكذلك أولادها.
وهكذا مرت الأيام والشهور والسنون بإنشراح وأولادها، ثم فجأة غابت عن العيون وانقطعت أخبارها وأخبارهم، ولم يعد أحد في
مصر يسمع أو يعرف عنهم شيئا، وكثر الكلام عنهم وعن مصيرهم، فهناك من يظنون أن إنشراح تم إعدامها، وهناك من يقولون إنها
خرجت من مصر، ثم انشغل الناس بحياتهم اليومية عن إنشراح
وأولادها ومصيرهم، انشغل الجميع ولم يعد أحد يهتم لأمرهم.
وبقدر ما كان المصريون يمقتون ويحتقرون الساقطة إنشراح بسبب خيانتها لمصر والمصريين وعمالتها
لعدونا الأزلي، بقدر ما فرحوا
حينما عرض مسلسل “رأفت الهجان” الذي عرضه التليفزيون المصري سنة 1988، وهذا المسلسل كان يدور حول سيرة العميل
المصري “رفعت علي سليمان الجمال” الشهير باسم “رأفت الهجان”، ذلك العميل الذي زرعته المخابرات
المصرية داخل المجتمع الإسرائيلي والذي قدم لمصر خدمات كبيرة لا تنسى، وكلنا يعلم أن
هذا المسلسل وقت عرضه أثار الحماسة والحمية والشعور بالزهو والفخر بين المصريين والعرب جميعا.
وبينما قوبل هذا المسلسل في البداية من قبل الإسرائيليين بالإنكار، حيث علق عليه مسئولو الموساد قائلين إن رأفت الهجان هذا ما هو
إلا شخصية وهمية اختلقها جهاز المخابرات المصرية، ولكن في النهاية أقر رجال الموساد بوجوده ولكنهم أشاعوا أنه كان عميلا مزدوجا.
ولكن لماذا تأتي سيرة “رأفت الهجان” هنا في سياق الكلام عن الجاسوسة “إنشراح علي مرسي”، فهل هناك يا ترى ما يجمع بين
رأفت الهجان وإنشراح علي مرسي؟، هذا ما سوف نعرفه غدا بإذن الله تعالى في الحلقة العاشرة والأخيرة فانتظرونا
المصادر:
الكاتب أ. خطاب معوض خطاب
كتاب “أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور” محمود عبد الله.