العاصمة

السقوط في بئر سبع…. إيمان العادلى

0

إيمان العادلى

“الحلقة الثانية”..

تزوجت إنشراح الصبية الصغيرة والتي لم تكمل الخامسة عشرة من عمرها،

وتركت بلدتها الصغيرة وانتقلت

للإقامة مع زوجها إبراهيم الذي كان يعمل كاتب حسابات بمكتب مديرية العمل في

العريش، وبسبب بعد المسافة بين المنيا والعريش فقد كادت تنقطع صلتها بأهلها،

وأصبح زوجها في نظرها هو كل ما لها في الدنيا، ولأنه كان أول رجل تفتحت عليه

عيناها فقد بثته كل عواطفها، ونذرت نفسها لإسعاده وخدمته والسعي لراحته.

ولأن الزوجان كانا قد اكتفيا من التعليم بالحصول على الشهادة الإعدادية فقط

فقد تعاهدا إن رزقهما الله بأبناء أن يعملا جاهدين ليواصل أبناؤهما تعليمهم حتى

يحصلوا على أعلى الشهادات التعليمية، وأصبح هذا الهدف هو هدفهما الوحيد

في الحياة الذي يسعيان ويعملان على تحقيقه مهما كانت الظروف التي تواجههما.

وتمر الأيام والشهور والسنوات بالزوجين السعيدين، “إبراهيم وإنشراح” وتزداد

فرحتهما بقدوم ولدهما الأول نبيل في سنة 1955، وقدوم ولدهما الثاني محمد في

سنة 1956، ثم قدوم ولدهما الثالث عادل في سنة 1958، وتعاهد الزوجان على أن

يرسلا أبناءهما للدراسة في القاهرة حيث الحال هناك أفضل من العريش من كل

الجوانب، وبالفعل في سنة 1963 أرسلا أولادهما إلى عمهم المقيم بالقاهرة

ليدرسوا هناك بعيدا عن مظاهر البداوة وظروف الحياة الأقل حظا من العاصمة.

وسعى إبراهيم بكل الطرق لتوفير الأموال التي تحتاجها أسرته، حيث كان ملزما

بالإنفاق على تعليم أولاده بالقاهرة لكي لا يكونوا عبئا على عمهم الذي يقيمون عنده،

كما أنه كان قد عود زوجته على مستوى عال من المعيشة ولا يريد أن يشعرها بأي

تقصير، لذلك فقد سلك طرقا غير مشروعة وأصبح يتلقى الرشاوى من المواطنين

لهم أعمالهم، وهكذا أصبح المال متوفرا لديه بكثرة، وعاش في سعادة مع زوجته

إنشراح وهو يرى أحلامهما قد أوشكت أن تتحقق.
ولكن حدث في أكتوبر سنة 1966 أن تم ضبط إبراهيم وهو يتلقى رشوة، وبعد

محاكمة سريعة تم الحكم عليه بقضاء 3 شهور خلف القضبان، وعانت زوجته إنشراح كثيرا خلال هذه الشهور الثلاثة

ماديا ومعنويا، وبعد انقضاء الشهور الثلاثة خرج إبراهيم ليعاني مما أوصل نفسه إليه،

وأصبح يرى أحلامه وآماله نحو الارتقاء والثراء تكاد تتحطم أمام عينيه وهو عاجز

عن التصرف.
وما زاد الطين بلة والمرارة علقما هو ما حدث في يوم 5 يونيو سنة 1967،

حيث اجتاحت إسرائيل سيناء واحتلتها، وهو ما أدى إلى غلق جميع الأبواب أمام

الزوج إبراهيم، فقد أصبح عاطلا عن العمل بعد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بسبب

توقف العمل بمكتب مديرية العمل بالعريش، فأصبح غير قادر على كسب

مال يتعيش منه هو وزوجته أو يرسل منه لتعليم أولاده بالقاهرة، كما أن طريق

العريش القاهرة قد أغلق، وأصبحت العريش كلها تحت الحكم العسكري

الإسرائيلي، مما كان سببا في عدم مقدرته على السفر للاطمئنان على أولاده بالقاهرة.

وهكذا كان وقع الاحتلال الإسرائيلي لسيناء كالصاعقة على رؤوس أهلها

جميعا، فقد اختنقت نفوسهم وضاقت عليهم أرضهم المحتلة رغم اتساعها، كما

ضيق عليهم الاحتلال الخناق من كل جانب في المعيشة والتنقل، حيث أصبح على من

يرغب في السفر أن يستخرج تصريحا من الحاكم العسكري الإسرائيلي، وهو ما كان

أشبه بالمستحيل ويحتاج لمعجزة لتحقيقه.

وسعيا وراء تحقيق المعجزة وتحطيم المستحيل فقد حدث في أحد الأيام أن

توجه إبراهيم إلى مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء يطلب منه تصريحا له

ولزوجته الملتاعة والملهوفة على أولادها بالسفر إلى القاهرة للاطمئنان عليهم، فهل

يتحقق له ذلك ويستجيب الحاكم العسكري الإسرائيلي لطلبه؟ هذا ما س

الحلقة القادمة بإذن الله

، فانتظرونا

المصادر:
أ. خطاب معوض خطاب

كتاب “أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور” محمود عبد الله.

كتاب “كل شيء هادئ في تل أبيب” حسني أبو اليزيد.

برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.

كتاب “جواسيس الموساد العرب” فريد الفالوجي.

جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.

اترك رد

آخر الأخبار