الديمقراطية في ارض عربية اسلامية
علاء حمدي
بقلم د/ ليلى الهمامي
اعود اليوم على محور عالجته النخبة العربية والمسلمة في سياقات تاريخية مختلفة ومتباعدة في محاولة لفهم علاقة العالم العربي الاسلامي باستحقاق الديمقراطية والحداثة التي سادت المجتمعات الغربية المنتصرة حضاريا والسائدة دوليا.
لعل الاشكال الاول الذي يواجه هذه المحاولات النقدية والتحليلية، هو ارتباط الحداثة والديمقراطية بثقافة المستعمر.
اما الاشكال الثاني فربما تقديم الديمقراطية الغربية كحالة ثقافية خاصة ؛ بالمعنى الشوفيني ، بمعنى ان الديمقراطية والحداثة في تفكير الغرب وفي تخطيطه ومنهجه امر لا يخص الا الرجل الابيض. فالغرب الديمقراطي الملتزم بحقوق الانسان لم يتردد في اعاده انتاج العبودية واصطياد الشعوب الافريقية والامريكية الاصلية (الهنود الحمر) واستعبادهم. فبدت الديمقراطية في تمثلات اجيال النخبة العربية والمسلمة بدعة غربية تضاهي الزندقة والكفر والخروج عن الشرع الجامع للملة.
هذا التيار او هذا الموقف حاولت عقول وصفت بكونها مستنيرة ان تتعداه بجمع ظريف بين مقومات الشرع والتراث ومفاهيم الحكم الديمقراطي الغربي فكان التلفيق والخلط والمسخ.
تيار الانفتاح المحسوب على التحديث العربي الاسلامي قدم الشورى على انها برلمان والبيعة على انها اقتراع عام وكانت هذه الارضية الفكرية بمثابة التاسيس لاستبداد شرقي في نسخة جديدة.
فالديمقراطيه في سياق هذا الخطاب المشرقي مفهوم يفرغ من دلالته الاصليه ليضمن معاني غريبة عن سيميائيته الاصلية او معانيه الاصليه.
وينتهي هذا الفكر المازوم المتشضي الى تخريجات نظرية تقاطعت خلال النصف الثاني من القرن الماضي مع دكتاتوريات المعسكر الشرقي لما بعد الحرب العالمية الثانية من صنف الديمقراطيات الشعبية (East Block) ومن صنف الديمقراطية الحقيقية او القاعدية كما عاشتها ليبيا مع نظام اللجان الشعبية والثورية تحت الراحل معمر القذافي…
من ذلك ان نظام البعث القائم على حكم الحزب الواحد والفرد الواحد داخل الحزب الواحد قدم مفهوم الديمقراطية كظلع ثالث من شعاره الايديولوجي المركزي.
اذا كانت المسالة الديمقراطية تمثل الطموح الطبيعي لكل الانسانية من حيث انها تمكن بالفعل من ارساء نظام واقعي يجمع بين العفوية والوعي، ويؤسس لحكم محدود مشروط ومراقب على قاعدة التداول السلمي ومن حيث ان النظام انه نظام مفتوح قابل للاصلاح والتعديل فهو إذًا بلا منازع، اقل الانظمه سوءً على حد عبارة وينستنت تشرشل.
ليست الديمقراطية حالة مثالية مطلقة فهي تبقى نظاما يخص المجتمع الانساني كون الانسان كائن باهوائه وغرائزه ونوازعه وهواجسه وعقله … وعليه فهي نظام يتازم ويتضاءل في مقدار حريته، لكنه يتميز بمرونة تمكنه من تعديل اتجاهاته فيما يشبه الغريزه داخله.
فالنظام الديمقراطي شبيه بالنظام الحراري الديناميكي ترمو ديناميك سيستم. فهو الاطار القانوني والسياسي (البنيه الفوقيه) لمجتمع متعدد ومتنوع ومختلف؛ مجتمع يبحث بصفة مستمرة عن الوسط الجامع للمتعدد ولا وللمختلف.
فالنظام الديمقراطي تقتله الحالات القصوى اي المبالغة في العدالة وكذلك المبالغة في الحرية.
لقد اعتنت الاديولوجيا العربية منذ منتصف القرن الماضي باستبعاد الديمقراطية وشيطنتها باعتبارها واجهة للاستعمار.
ان تشوهات العقل السياسي العربي امر محسوم من جهة انه عقل يشرع للاستبداد بحجج تتغاضى على مسالة اللائكية او مدنية الدولة لغاية شعبوية.
لقد اثبتت التجربة ان مسالة الديمقراطية استحقاق مجتمعي حضاري بقطع النظر عن انظمة الحكم وان الديمقراطية هي بلا منازع النظام الانسب لتقدم المجتمعات ولارتقاء الافراد المنتمين للطبقات الشعبية بموجب معيار العلم والمعرفة والاقتدار.
فالمجتمع المفتوح كما يقول كارل بوبر هو المجتمع الوحيد القادر على افراز الافضل اي على فسح المجال امام القوى التقدمية في المجتمع، من اجل ان تفعل وتقوم.
والدولة المدنية هي الاطار الوحيد القادر على استبعاد النظم الاوتوقراطية على اختلاف انماطها بقطع النظر عن الاشكاليات المتعلقة بالتراث والمثاره في الساحه الفكرية والسياسية لغاية استهجان الديمقراطية واستبعادها.
ان واقع السياسة العربية الراهنة يرسخ لدينا قناعه بامرين:
الاول ان التقارب العربي مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي هو تقارب الواقعية المقترنة باكراه الخضوع لمعصار العلاقات الدوليه التي يحكمها ويتحكم فيها مركزيا حلف الناتو.
الثاني ان طبيعة الانظمة العربية والاسلامية في اغلبها استبدادية تتعاطف ولو بصفه غير معلنة مع الانظمة الديكتاتورية كما هو الحال مع نظام ايران وروسيا والصين.
وليس التقارب بين الانظمة العربية وهذا الثالوث مصادفة او سعيا كما يروج له البعض، لتنويع الشركات، بقدر ما هو بحث عن شريك لا يفتش في ملفاتنا السياسية ولا ينكش في سجلنا الحقوقي !!!!
فسوء سلوكنا من سوء سلوكه ومن يقدم على انه تقارب تكتيكي اليوم هو في الواقع هو نزوع غريزي لمن يشبهنا.
وتمثل الحاله التونسية كما الحالة الجزائرية امثله مؤكدة لهذا التحليل، من حيث انها انظمة جمعت اليوم بين انكار الديمقراطية وادعائها . فبقدر ما تقدم هذه الانظمة مفهوم الديمقراطية على انه واجهة لمشروع استعماري شيطاني جديد بقدر ما تسوّق لانظمة شمولية دموية كما هو الحال في النظام الايراني والروسي والصيني على انها انظمة عادلة حاملة لمشروع نظام عالمي معافى من كل منزع استعماري ومن كل مقاصد امبريالية.
والواقع الدولي يؤكد ان احتدام الصراع بين الصين والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص انما هو صراع من اجل قيادة العالم والهيمنة على مصادر الطاقة والثروات الطبيعية والاسواق وممرات التجارة العالمية ومستقبل الحياة على الكوكب عموما.
فليست الرهانات ذات صلة بالعدالة او الحرية او تقدم الشعوب وانما هي صراع القيادة والزعامة على عالم لا مكان فيه لاوهام ايديولوجيا المثالية، كما لا وزن فيه لثنايا تناقضات القوى المجهرية او الدول الصغيرة مثلنا، فلا معنى إذًا هنا، لتحالفات يقال انها استراتيجية بين من يشبه الفيل ومن تشبه النمله.
اذا كان الحكم الاستبدادي المشرقي تحكمه وتسوده وتقوده اهواء السلطان فان واقع العلاقات الدولية وسرعة الاتصال وتناقل الاخبار يسقط وهم تزييف المعطيات وتقديم ما هو هامشي على انه بطولي وما هو ثانوي على انه رئيسي.
ان فكره الحياد حلم ثمين جدا، ناظل من اجله جيل من الوطنيين مثل بورقيبه وجمال عبد الناصر وجواهر لنهر واغتيل من اجله الزعيم المغربي مهدي بن بركة لكن شروط إمكان هذا الحلم تمر عبر بناء اقتصاديات مزدهرة وتكتل دولي وازن قادر على رسم خط سير مستقل عن الكتل المتصارعة.