الديانة المصرية القديمة
بقلم / ايمان قمر
نشات الديانة المصرية القديمة وتطورها
اهتم المصرى القديم على مر العصور القديمة بقضية هذا العالم
– كيف نشا ؟
– من انشاه ؟
– وما هى القوة الخفية التى تتحكم فيه ؟
– وكيف يمكن ارضاء هذه القوة لتجنب شرها واستجلاب خيرها ؟
* امن المصريين القدماء بعقيدة التكوين والبعث بل جاهروا بها وكان لهم معتقد ولاهوت خاص بهم سبق كافة الاديان باكثر من الفين عام فهم سبقوا كافة حضارات العالم فى هذه المعرفه
* راقب المصرى القديم بفكر عميق كل ماحوله من مكونات واهتدى الى عدة نتائج ليبنى عليها ديانته ومعتقداته :-
1- ان فى هذا الوجود عناصر تتحكم فى الخلق بصورة مباشرة او غير مباشرة
2- كل عنصر من هذه العناصر تتكفل به قدرة الهية تستحق التقديس والعبادة
3- هذة العناصر ترتبط ببعضها البعض ويمكن ان ترد الى اصل واحد قديم
* توصل المصرى القديم الى السيرة الذاتيه للكون ومن يتوصل الى هذه النتيجة لابد ان يكون عرف صاحب هذا الكون بحيث انه لم يأتى من فراغ مطلق .
وبالتالى كان الصراع على أشده فى عدم توحيد هذه العناصر لدى المصرى القديم فى لاهوت واحد مطلق أبدى وذلك حفاظا على الهيبه السياسيه والدينيه ومن هنا اختلط الحابل بالنابل بين الاساطير وبين الحقيقة والخرافات
ومن هنا ايضا تفرعت مسميات الآلهه لدى المصريين الأوائل رغم اعتقادهم بأن هناك آله واحد وهو من سيحاسب يوم الحساب
* بدأ المصريون يطورون فكرهم تجاه أربابهم فالفوا بينها وراحوا ينظرون الى علاقة تلك العناصر والالهة بقضيه الخلق بنظره فلسفيه تتجاوز الفهم المادى لعناصر الوجود الى ما وراء هذا العالم المحسوس ؛واختلفت رؤاهم الفلسفيه لأصل الوجود والعالم نتيجه لاختلاف الظروف السياسيه والاجتماعيه مره او نتيجة للتنافس بين مدنهم مرة اخرى
* لقد بدأت المدن والاقاليم القديمة فى طرح تفسيراتها لوجود الكون حسب رغبتها واهدفها ورؤيه كهنتها فهى عبارة عن مدارس معتقدات لاهوتية ان جاز لنا التعبير بهذا المصطلح
فان الحقيقه التى لا شك فيها أن كل واحد من هذه المذاهب قد انطلق من احدى المدن المصريه فى ذات الوقت الذى شهدت فيه ازدهارها السياسى والحضارى والاجتماعى والثقافى
* بدأ الانسان المصرى يميل الى تفسير كل مظاهر الكون تفسيرا دينيا حيث اعتبروا الاله الواحد تجسد فى كل ما حولهم فاعتبر النيل تجسيدا للآله ( نون) والشمس الاله (رع )والسماء المعبوده (نوت) والارض المعبود (جب )وقد فسر الشروق والغروب بأنها رحله الآله (رع) أله الشمس وأن الكسوف والخسوف هما العقبات التى تواجه هذا الاله كما فسر الهواء على أنه أطراف الاله( أمون)
وهذه الارباب ما يطلق عليهم النترو(الكائنات الالهية/القوى الكونية)
وبعد ان اكتملت أركان الديانه فى عصور ما قبل التاريخ ومرورا بمذاهب الخلق فى عهد الاسرات فان هذه المعتقدات تغيرت وتطورت حسب الظروف التى كانت تمر بها البلاد من فترات ضعف وعصور انتقاليه وعلى العكس فى فترات الازدهار والرخى كما حدث دمج بين كثير من الاله
* ومن هنا تكون قد اتضحت الفكرة عن الديانة القديمة فان جاز لنا ان نطلق عليها مذاهب متعدده والاصل واحد فقد تعددت مذاهب الخلق وإنتشرت فى مصر القديمه وكان أهم هذه المذاهب هى :-
1- المذهب الشمسي :-
ينسب هذا المذهب الى اهالي مدينه اون او مدينه هليوبوليس (عين شمس الحاليه ) و يعد من اقدم المذهب نشأة فى الوجود و ربما يرجع الى عصور ما قبل التاريخ في الحضاره المصريه القديمة و اعتقد اصحاب هذا المذهب في نشأة الوجود و بدء الخليقه انه لم تكن فيه ارض و لا سماء و لا بشر و لا كائنات و انما عدم عبارة عن كيان مائي لا نهائي اطلقوا عليه (نون) و ظهر في هذا الكيان المائي روح إلهي ازلي خالق هو آتوم و آتوم لفظ مصري يجمع بين ضدين من المعاني (معنى العدم و معنى الشمول و الاكتمال)
وقد ظهر الاله آتوم ظهوره الاول العظيم بوحدانيته واوجد نفسه من اول عنصرين من عناصر الوجود احدهما ذكر تكفل بامر الفضاء و الهواء و النور و عرف باسم (شو) و الاخر انثى تكلفت بامر الرطوبه و الندى و عرفت باسم (تفنو) واختلط العنصران الالهيان و تفاعلا فتولد عنهما بقيه التاسوع الالهي العظيم حيث ظهر بعدهما عنصران جديدان احدهما ذكر تكفل بامر الارض و عرف باسم جب و الاخر انثى تكلفت بامر السماء و عرفت باسم نوت وقد كانت السماء و الارض في بدايه امرهما متصلين جسدا و روحا الى ان اذن الاله الخالق ان يبزغ من بينهما فجر الحياه فاوحى الى شو(النور والهواء ) ان يفصل بينهما فرفع شو(النور والهواء ) السماء عن الارض وملأ الفراغ بينها و بين الارض بما كان يحيط به و يصدر عنه من هواء و ضياء
وبهذا يكون الوجود مهيئاً لوجود الكائنات الحيه و الانسان فاستكمل الخلق بان تولد الالهين السابقين اربعه آخرين ذكران هما اوزوريس الذي تكفل في الارض بامر الفيضان و الخصب و النمو و ست الذي تكفل بامر امطار السماء و رعدها و اعاصيرها و انثيان ارتبطت كل واحده منهما بزوجها هما إيزيس التي ارتبطت باوزيريس و نفتيس التي ارتبطت بست و بهذا اكتمل التاسوع الالهي العظيم الذي يعد اصل الوجود بكل ما فيه من عوالم و كائنات حيه و جماد
2- المذهب الاشموني :-
نسبه الى مدينة الاشمونيين الحاليه الموجوده في مصر الوسطى و كانت تعرف في الزمن القديم باسم اونو او هيرموبوليس و قد تحولت هذه الاسماء القديمه الى الاشمونيين
ويدور مذهبهم الجديد في تفسير اصل الوجود الذي تعصبوا فيه لعناصر الوجود الثمانيه و اطلقوا عليه الثامون و اخذوا عن ذلك اسم مدينتهم الجديده حيث كان عدد الثمانيه ينطق في اللغه المصريه القديمه خمون و اصبح في اللغه القبطية شمون الى ان تطور الاسم فى العصر الاسلامى الى الاشمونين
اما بدايه هذا التفسيروالمذهب الجديد يدور حول الجدل الذي كثر حول المذهب الشمسي في المدن المصرية المختلفه و الى محاوله حكماء مدينه اونو ان ينهضوا بمذهبهم و ربما يكون وراء ذلك اسباب سياسيه تمثلت في نوع من الانشقاق السياسي فقد اعلنوا حربا في السياسه و الدين و الفكر في آن واحد وحاول هؤلاء الحكماء في البدايه ان يشككوا في بعض عناصر المذهب الشمسي متسائلين فيما بينهم اذا كان رع آتوم قد خرج اصلا من نون كما قال اتباعه افلا يعتبر بذلك ولداً لنون و اذا كان صحيحا الم يكن من المفترض ان يتوفر لنون طرفان للانجاب و ما الذي كان يحيط بنون قبل ان ينجب ولده و هل كانت له رغبه حقيقيه في ذلك و بعد هذا التشكيك و تلك التساؤلات كان على مفكري اونو ان يقدموا تصورهم الخاص للوجود و كيفيه نشأة العالم فقالوا ان الوجود بصورته الحاليه تقدمته اربعه عناصر هي (ماء كثيف و ظلام محيط و قدره منطلقه دافعه و عنصر لطيف لا يرى ) و قدروا ان هذه العناصر الاربعه تكفل بها توئمان يتفقان في الطباع و يختلفان في الجنس احدهما مذكر و هو الاصل و الاخر مؤنث و هو الفرع و انه توفر لكل من التوائم روح ربانيه منفصله و ذلك مما جعل منها ثمانيه
ولقد افاض التوائم الاول او الروح الاول في البدايه محيطا مائيا كثيفا استقر فيه و اتخذه مظهرا لوجوده و تسمى معه باسم نون و استقرت معه انثى توئمه اشتقوا اسمها من اسمه فدعوها تاونت ثم احاط الروح الثالث نفسه بظلام كثيف اتخذه مظهرا لوجوده و استقر فيه و تسمى معه باسم كوك و بنفس الطريقه استقرت معه انثى تماثله اشتق اسمها من اسمه فسميت كاوكت اما الروح الخامسه فقد تمثل في تلك القدره المنطلقه الدافعه التي اشتق اصحاب المذهب اسمها من لفظ يدل على الحركه الماثله في اندفاع الامواج او انسياب المياه فسموها حوح ثم افترضوا وجود الانثى التي تماثله و اشتقوا اسمها من اسمه فسميت حاوحت اما العنصر او الروح السابع فهو ذلك العنصر اللطيف الذي لا يرى اي الهواء و قد سموه باسماء مختلفه منها (تنمو و نياو و جرح و آمون)و افترضوا له انثى تماثله و جعلوا اسمها مشتقا من كل المسميات السابقه و اشهرها اسم اماونت
و قد تصوروا بعد ذلك انه في فتره ما تجمعت هذه العناصر او الارواح الثمانيه بما فيها من ذكر و انثى و شاءت ان تغير ما هي فيه من كيان قديم بكيان اخر جديد فتعاونت فيما بينها على خلق دحيه عظيمه و وضعها فوق ربوه عاليه في مدينه اونو و لما انشقت الدحيه خرج منها كائن جديد لم يكن في حقيقه امره الا الاله رع آتوم اله النور او اله الشمس ذلك الاله الذي ظن اصحاب المذهب الشمسي انه وجد من لا شئ و منذ ظهور الاله رع آتوم اصبح العالم مهئ لوجود الكائنات و البشر و هكذا نلاحظ ان الاختلاف بين المذهب الشمسي و الذهب الاشموني يتمثل في امرين اساسين اولهما : هو الاختلاف حول اصل الاله آتوم رع فبينما يؤمن اصحاب الذهب الاول انه اوجد نفسه من عدم يؤمن اصحاب المذهب الثاني انه قد جاء بعد الثامون و عن طريق تعاون تلك الارواح او الالهه الثمانيه في خلق الدحيه التي انشقت فخرج منها الاله
و ثانيها : يتمثل في الاختلاف حول العناصر الاساسيه للوجود فبينما جاء المذهب الشمسي واضحا في تأليه العناصر المختلفه للوجود و بيان كيف جاء كل زوج منها عن الزوج السابق و ان الجميع قد اتوا بفضل الاله اتوم باعتباره الاله الخالق نجد ان التصور الاشموني جاء غامضا فيما يتعلق بتسميه هذه الارواح الاربعه الاساسيه و بكيفيه التمييز فيما بين ذكر و انثى لدرجه ان يتوالد منها عبر انقسامها الى ذكر و انثى ذلك الثامون الذي عدوه اصل الاله و قد اقتصر الاعجاب بالمذهب الثاني على اوساط الخاصه و المثقفين
3- المذهب المنفي :-
ينسب الى مدينة منف التى اسسها الملك مينا مؤسس الاسرة الاولى ومصر الموحدة وقد ازدهرت منف من حيث الثقافة والفكر فى ذلك الوقت و لمكانتها السياسية حاولوا اثبات تفوقهم على ماعداها من المدن بقولهم ان معبد الهها الاله بتاح كان الميزان الذى وزنت فيه مصر العليا والسفلى ولعل ذلك الاعتقاد يرجع الى المكان الوسط الذى احتلته مدينة منف منذ ان اسست و لا شك ان نقطه البدايه في هذا المذهب ستنطلق من امرين
اولهما :اعلاء شأن مدينتهم و اربابها المحليه
و ثانيهما : احتواء المذهبين السابقين بنقدهما تاره و تأويلهما تاره اخرى ليصبحا جزء من مذهبهم الخاص
و قد تسائل حكماء منف عن تلك الاراده التي فكرت في خلق العالم و تنظيم اموره ولابد ان تلك الارادة قد فكرت و دبرت قبل ان يصدر امر الخلق ذاته و لابد ان يكون التفكير و التدبير قد سبق الخلق و التعمير هكذا وصل فلاسفه منف الى افتراض وجود إلها خالق و انه قد شمل الكون و الكائنات برعايته و رسم لكل ما في العالم قدره و افعاله و بناء على ما سبق بدأ المنفيون يصفون الاله بتاح بصفات جديده تميزه عن كل الارباب بصوره غير مسبوقه فاعتبروه بمثابه القلب و اللسان لهم جميعا و ليس القلب او اللسان بالشئ الهين فما من شك ان للقلب و اللسان سيطره على كل جسد و الدليل قائم في كل صدر و كل فم للارباب و البشر و الانعام و الزواحف على السواء و ان طلبنا منهم الدليل الاقوى على صحه ما يقولونه لقالوا ان ما تشهده العينان و تسمعه الآذان و تشمه الانف يرقى جميعه الى القلب اما عن الفم فهو الناطق بكل شئ حيث يقول فلاسفه منف : و هكذا انما هو في الاصل قلب (او عقل ) ارسل الارباب جميعا و انما هو كذلك لسان ازلي جرى على ترديده ما تدبره الفؤاد
ففي هذا النص ما يؤكد اكتشاف فلاسفه منف لاهميه الكلمه خاصه كلمه الاله او الكلمه الالهيه التي هي اصل الوجود و سر بدء الخليقه لم يقدموا فقط الفكره ذاتها بل قدموها بصوره جديره بالاعتبار ان اصل الوجود في نظر فلاسفه منف هو الاله الخالق بتاح اما كيف كان ذلك فهو الامر اللافت للنظر و الاعتبار في رؤيتهم فالاله فكر بعقله او قلبه و من ثم ادرك الخلائق بطبيعه كل مخلوق ثم نطق الكلمه بلسانه فكان تمام امر الخلق اما فيما يتعلق بالجوانب التي تضمنها النص المنفي غير مسأله تفسير الوجود و خلق العالم فاهمها ذلك الجانب الاخلاقي اي ان الاله هو الذي حدد منذ البدايه الخير
و الشر و بناء على هذا التحديد تتقرر مصائر البشر فمن يفعل الخير او من يعمل بالسلم حسب النص توهب له الحياه اما من يعمل الشرور و الآثام فلا يستحق الا الموت و الفناء
4- المذهب الواستي :-
نسبه الى مدينة واست القديمه التي هي الاقصر حاليا و التي عرفت في الزمن القديم باسم واست اي مدينه الصولجان و قد عرفها اليونان باسم طيبه بينما اطلق عليها العرب الاقصر و قد نشط فلاسفتها ليمزجوا بين المذاهب القديمه لاصل الوجود و كيفيه الخلق بطريقه جديده اعطت السياده لاله مدينتهم الاعظم الاله آمون و جعلت من مدينتهم ام المدائن و سيدتها
و قد صور فلاسفه واست (الاقصر) انها احق ان تكون اقدم المدن و اعظمها و انها هي التي كانت اول ما ظهر على التل الاول الذي اطل برأسه من الماء اي انها ا صل الارض و موطن الخليقه الاول و اذا كان ذلك فان الاله آمون سيصبح باعتباره اله هذه المدينه هو الاله الاول و الاعظم و هو خالق الخلق و رب العالمين و هو بدايه الوجود و هذا ما عبر عنه فلاسفه المدينه في نص هام قالوا فيه (وجد آمون منذ البدايه دون ان تعرف له نشأه فلم يوجد قبله اله او يوجد معه اله يستطيع ان يصف له هيأة و لم يكن له ام تبتدع له اسما او ولد ينجبه و يقول هاأنذا و قال عنه الناس انه (تانين رب منف) القديم و انه آمون الذي صدر عن نون و انه من هدى الخلائق اجمعين و ان له صوره اخرى من اعضاء الثامون و انه هو الذي اوجد الارباب الاولين و انه هو الذي استكمل ذاته في هيئه آتوم و انه بدايه الوجود واراد فلاسفه واست (الاقصر) القدامى ان يؤكدوا للناس ان الروح الالهيه التي اعتادوا على عبادتها في معابد واست العديده لم تكن في الحقيقه غير روح واحده و ان تعددت اوضاعها فهي قد صدرت جميعا عن واحد و ارتدت الى واحد
و قد ظل هذا المذهب هو الاشهر و الاكثر شيوعا بين المصريين و ربما يرجع ذلك الى سببين رئيسيين هما
1- انه قد لخص كل المذاهب السابقه و اعتبرها نابعه من قلب المذهب الواستي باعتبار ان الاله آمون كان الاول الخفي و كان الاخر الظاهر الذي اتحد باله الشمس و اله الارضين جميعا
2- انه كان الاقرب الى تصور المصريين القدماء في تلك الحقبه التاريخيه كان لا يزال الناس فيها لا يتصورون الربوبيه الا على هيئه ارباب متعدده يرئسها جميعا الاله الاعظم
_______________
وبعد ان قمنا بسرد فلسفة الديانة القديمة لدى المصريين الاوائل
لم يعد أى مجال للشك فى ان المصريين القدماء لم يكون كفره او يعبدون الحجارة او الاصنام كباقى الحضارات التى كانت فى وقتهم بل عبدوا اله واحد فى صوره المتعددة
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.