اختلفت الأقاويل حول كلمة تكيه فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربي وتأ واتكأ بمعنى
استند أو اعتمد وكأنها وضعت لمن يتكئ فلا يعمل ولا يطلب رزقاً حتى إذا حان وقت
الوجبة اتجه إليها ليحصل على الطعام
ومنهم من يرى انها تركية الاصل وهى الاتكاء والتوكؤ والاستناد إلى شيىء للراحة
والاسترخاء .
اما المستشرق الفرنسي كلمان هوار فيرى ان الكلمة أتت من “تكية” الفارسية بمعنى جلد، ذاكرا ، أن شيوخ الزوايا الصوفية، كانوا
يجعلون جلد الخاروف أو غيره من الحيوانات شعارا لهم.
تعددت التكايا فى بلدان العالم الاسلامى ولكن اشهرها على الاطلاق التكايا المصرية الموقوفة للحجيج في كل من
مكة المكرمة والمدينة المنوره
وتبدأ قصة التكية المصرية مع دخول محمد عليَ باشا لشبه الجزيرة العربية بداية من عام 1811 ميلاديا ، و بناء على
أوامر الدولة العثمانية قام محمد على بإنشاء تكية مصرية في مكة المكرمة ، بينما قام ابنه القائد العسكري
إبراهيم باشا بإنشاء تكية في المدينة المنورة ، لإطعام حجاج بيت الله من المصريين وكل الجنسيات.
رغم خروج مصر من شبة الجزيرة العربية عام 1840 وانتهاء السيطرة السياسية لمصر على أرض الحجاز ،
فقد ظل الحجار يعتمد على ما ترسله مصر سنويا من خيرات ومخصصات للحرمين الشريفين وللأشراف
والقبائل العربية فيما عرف باسم مخصصات الحرمين والصرة الشريفة.
كتب إبراهيم رفعت باشا – الذي كان يتولى حراسة المحمل المصري وكسوة الكعبة – عن التكية
المصرية في الحجاز والمدينة، في الجزء الأول من كتابه “مرآة الحرمين” صفحة 185:
”التكية المصرية – هي من الآثار الجليلة ذات الخيرات العميمة ، وأنها نعمت صدقة جارية
لمسديها ثواب جزيل وأخر عظيم ، وقد أنشأها ساكن الجنان محمد علي باشا رأس الأسرة
الخديوية في سنة 1238 هجريا “
وقد خصص محمد علي هذه التكية لخدمة فقراء الحرم المكي من جميع الجنسيات والشعوب
المختلفة الذين أعوزتهم الحاجة ولا يجدون مأوي يأوون إليه ولا يجدون طعاما يقيمون به أودهم.
وأضاف ” يرد إليها من الفقراء في الصباح والمساء، فيتناول الفقير في كل مرة رغيفين وشيئا من
“الشربة” وربما أعُطي أكثر من ذلك إن كان فقره مدقعا, وكثير من نساء مكة وحواريها الفقراء
يتعيشن بما يأخذن ويكتفين بذلك عن مسألة الناس ويصرف يوميا من الخبر والأزر واللحوم والسمن.
وتزيد الكميات كل يوم خميس ، وكذلك طوال أيام شهر رمضان المبارك ، وأيام الحج.
وكان عدد الأشخاص المستفيدين يوميا من تكية مكة في الأيام العادية أكثر من 400 شخص ،
ويزيد العدد في شهر رمضان وما يليه من شهور ليصل إلى أكثر من 4 آلاف شخص في اليوم الواحد
خلال موسم الحج.
وللتكية ناظر ومعاون وكتبة يقومون جميعا بخدمة الفقراء . وبها طاحونة لطحن القمح . وفيها مطبخ واسع
به ثمانية أماكن يوضع عليها أوان ثمان من ذات الحجم الكبير (قزانات ) . وفيها مخبز ذو بابين يخبر به
العيش ومخزن وحجر للمستخدمين.
وفي مدة الحج يسكنها بعض عمال المحمل كالطبيب والصيدلي وكاتب القسم العسكري.كما وكانت
خدمة تكية مكة والإنفاق عليها ميدانا للتسابق بين حكام الأسرة العلوية، وكان للخديوي
عباس حلمي الثاني فضائل على التكية..
ويصف لنا رفعت باشا الجو الروحاني للتكية من الداخل فيقول ” ولو سمعت الأدعية المتصاعدة
من قلوب الفقراء لرب هذه النعمة لأكبرت هذا العمل، وانساقت نفسك إلى أمثاله إن كان لديك سعة في المال وبسطة”.
ولم تكن التكية المصرية وحدها في مكة ، فقد شاركتها تكايا آخري ، لكنها كانت الوحيدة التي يأوي إليها الفقراء ، فيقول رفعت باشا في ختام حديثه عن التكية المصرية بمكة ” أما التكايا الأخرى فلم أزرها ، لأنه لا يأوي إليها فقير “.
تكية المدينة المنورة
أنشأها إبراهيم باشا بن محمد علي بمنطقة المناخة على يسار باب العنبرية, ..وكانت عبارة عن دور واحد متقن البناء بطول 89 متر وعرض 50متر ويوجد بها مكتبة ومدرسة ووحدة صحية يتواجد دوما بها كبار اﻻطباء المصريين خاصة في موسم الحج لمعالجة الفقراء مجانا سواء المقيمين او الوافدين وبها طاحونة لطحن القمح وبها مطبخ واسع به ثمانية أماكن يوضع عليها أوان ثمان من ذات الحجم الكبير كما يوجد بها مخبز ذو بابين يخبر به العيش ومخزن وحجر للمستخدمين.
وفي عهد والي مصر سعيد باشا حظيت تكية المدينة المنورة بعنايته وأصدر أمره في شهر رمضان سنة 1277 هجريا / 1860 ميلاديا بزيادة مرتباتها من اللحم والأرز والغلال وغير ذلك بالإضافة إلى زيادة مرتبات موظفيها ..
واشتملت أوامر سعيد باشا على أن تجمع تلك النقود من إيراد بعض أملاكه الخاصة في مديرية البحيرة .. أما الغلال فترسل من الأرض التي يملكها في فارسكور . أما الأرز فيرسل من زراعة ديروط .
كما اشترطت أوامر الوالي المصري أن تكون مصاريف النقل مأخوذة من إيراد أرضه في البحيرة.
وبلغت مساحة الأراضي الموقوفة على هذه الأمور الخيرية أربعة آلاف وسبعمائة وواحدا وخمسين فدانا وهو وما يوضح حرص سعيد باشا على الإنفاق على التكية من ماله وأملاكه الخاصة حتى تكون قربي له عند الله يوم القيامة.
و في عام 1909 بلغت النفقات على التكيتين في مكة و المدينة 1960 جنيها فيما بلغ إجمالي نفقات مصر في الحرمين 50 ألف جنيه .
وعندما يصل الحاج إلى الأراضي الحجازية يتوجه إلى التكية المصرية يأكل و يشرب و ينام و يحظى بالرعاية الطبية على حساب الدولة المصرية ….
لم يقتصر إطعام الفقراء في التكية على للمصريين فقط بل كانت مفتوحة أمام جميع المسلمين على اختلاف جنسياتهم . أما المصريين فقد تمتعوا دون غيرهم بميزة الإقامة و السكن داخل التكية طوال مدة أداء الشعائر المقدسة
واستمرت التكايا تؤدي دورها الخيري حتى هدمتها السلطات السعودية عام 1983 في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك استاذ جابر احمد