الآية التي جاء بها حكم فرض الصيام.
إيمى عاطف
وبعد نزول القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، تفرّق نزول
آياته بعد ذلك على امتداد سنوات البعثة النبوية بين مكة
المكرمة والمدينة المنورة، وارتبط نزول كل آية قرآنية
بفرض حكم، أو تفسير أمر أو العبر والعظات من تاريخ
الأنبياء والأمم السابقة.
ونبدأ حلقاتنا في أول أيام شهر رمضان المبارك مع الآية
التي جاء بها حكم فرض الصيام.
قال الله تعالى في سورة البقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
وتشبيه الآية في أصل فَرْض ماهية الصوم، لا في
الكيفيات، والتشبيه يُكتفى فيه ببعض وجوه المشابهة،
وهو وجه الشبه المراد في القصد، وليس المقصود من
هذا التشبيه الإحالة في صفة الصوم على ما كان عليه
عند الأمم السابقة، ولكن فيه مقاصد من أبرزها أن
يمثل تهويناً على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا
هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب،
فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين،
فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان، ولمن يستثقله
من قريبي العهد بالإسلام.
كيفية صوم الأمم السابقة؟
وصوم الأمم السابقة مختلف في موقعه من شهور
السنة، وفي مدته، وفي كيفيته، وعرفنا من صيام
السابقين صيام عاشوراء عند اليهود شكرًا لله على نجاة
موسى -عليه السلام- من الغرق كما ثبت في الحديث
الصحيح، وما سوى ذلك يعرف من كتبهم، واليهود
المعاصرون يصومون ستة أيام في السنة، وأتقياؤهم
يصومون شهرًا، وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة
مرة واحدة عند ظهور النجوم، ويصومون اليوم التاسع
من شهر أغسطس كل سنة في ذكرى خراب هيكل
أورشليم.
فيما يصوم المسيحيين كل سنة أربعين يومًا، وكان
الأصل في صيامهم الامتناع عن الأكل بتاتًا، والإفطار كل
أربع وعشرين ساعة، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل
ذي روح وما ينتج منه، وعندهم صوم الفصول الأربعة،
وهو صيام ثلاثة أيام من كل منها، وصيام الأربعاء
والجمعة تطوعًا لا فرضًا.
وجاءت في تفسير ابن كثير أقوال عن بعض الصحابة
والتابعين أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر،
ولم يزل مشروعًا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك
بصيام شهر رمضان، كما ذكر حديثًا عن ابن عمر مرفوعًا
أن صيام رمضان كتبه الله على الأمم السابقة.
وجاء في تفسير القرطبي أن الشعبي وقتادة وغيرهما
قالوا: إن الله كتب على قوم موسى وعيسى صوم
رمضان، فغيروا وزاد أحبارهم عليه عشرة أيام، ثم مرض
بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم
عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يومًا،
فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع، واختار النحاس
هذا القول، وفيه حديث عن دغفل بن حنظلة عن النبي –
صلى الله عليه وسلم-، ثم ذكر أقوالاً في أن تشبيه
صيامنا بصيام السابقين هو في فرضيته وليس في صفته
ولا في مدته.
ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد
رأينا أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون في صيامهم
بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء،
بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصا والتراب في حزن عميق.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.