حدثت قصتي قبل عشرين سنة.. كانت زوجتي هبة تعمل في أحد الجمعيات التطوعية.. كانت
تذهب إلى القرى الفقيرة وتقدم لهم المساعدة… وكانت تساعد أطفال الملاجئ.. فقد تربت زوجتي
في ملجأ للأيتام… أما أنا فكنت أعمل في إحدى الشركات التي يملكها أبي…كانت هبة تأتي إلى
الشركة لأخذ بعض التبرعات باسم الجمعية التي تعمل بها… كنت حينما أراها أتلعثم بالحديث
معها.. ويزداد خفقان قلبي… وحينما كانت تبتسم لي أفقد الشعور بكل ما يحيط بي.. أحببت هبة من
كل قلبي.. حتى تجرأت وطلبت يدها.. وخلال شهر واحد فقط كنا قد تزوجنا… لم يكن لديها أقرباء…
حتى أصدقائها وزملائها في الجمعية لم يحضروا عرسها.. وحين سألتها عن عدم حضورهم قالت لي
أنها لم تعزم أحدا منهم.. كل ذلك كان غير مهما بالنسبة لي.. المهم أنها أجمل امرأة في عيني..
وأريدها زوجة لي.. كانت كالطفلة ببرائتها.. كلامها عفوي لا تحقد على أحد.. كان قلبها أبيض كالثلج…
رحمها الله…
بعد الزواج بشهر…..ليلة الجمعة
كانت هبة تحدثني عما رأته من فقر في أحد القرى التي ذهبت لها… رن جرس البيت… قمت لفتح
الباب ولم أجد أحدا.. لكني وجدت رسالة… حينما فتحت الرسالة وقرأتها أحسست بشيء غريب…لم
أعلم ما هو…الرسالة كتب فيها..”أرجوا منك التوجه إلى قرية خثرود هناك أشخاص بحاجة
شديدة للمساعدة وشكرا…”وكتب أسفل الورقة العنوان.. من مضمون الرسالة عرفت أنها مرسلة
لزوجتي… قرأت زوجتي الرسالة وقالت لي غدا سأذهب إلى هذه القرية.. وسألتني إن كنت سمعت
بقرية خثرود من قبل فقلت لها لا… بحثت زوجتي عن طريق الانترنت عن قرية خثرود فلم تجد شيئا
عن وجود قرية باسم خثرود… لكنها وجدت أن كلمة خثرود تعني في اللغة العربية الفصحى كثير الهرج.. طلبت مني زوجتي أن أوصلها غدا إلى هذه القرية لعلها تقدم لهم المساعدة.. فقلت لها غدا يوم الجمعة وقد وعدنا أبي أن نذهب للغذاء معه… أجلي زيارة القرية ليوم آخر…رفضت زوجتي تأجيل الزيارة وأصرت أن أصطحبها إلى القرية غدا..لم أكن أستطيع أن أرفض لها طلبا…فقلت لها سنذهب غدا بعد أن نتناول الغذاء مع أبي… ابتسمت لي وذوبنا في أحضان بعضنا البعض…
2
يوم الجمعة.. الساعة السادسة مساء
خرجنا من بيت أبي في الساعة السادسة مساء.. وتوجهنا بسيارتي إلى قرية خثرود…وصلنا إلى منطقة لم تظهر على الخارطة الالكترونية الموجودة في السيارة “جي بي اس” خمس ساعات ونحن نبحث عن هذه القرية…كنت سأعود إلى البيت لولا إصرار زوجتي على البحث عن هذه القرية…وجدنا أنفسنا في منطقة خالية من كل شيء.. صحراء قاحلة… كنت سأغادر لولا أن أشارت زوجتي نحو أضواء على بعد 200 متر تقريبا من مكاننا.. توجهت بالسيارة لمكان الأضوء كانت أضواء قرية خثرود… قرية الجان… كانت هذه القرية منخفضة عن مكان وقوفنا.. كأنها بنيت أسفل الأرض.. كان هناك درج من الحجارة الكبيرة نزلنا عليها بحذر شديد حتى وصلنا مدخل القرية…
دخلنا القرية وكان جميع من في هذه القرية يضحكون ويرقصون…بيوت القرية من طين..و القرية مليئة بالشموع المضاءة ورائحة غريبة وأعواد كالبخور مشتعلة رائحتها غريبة ونتنة…أصابتني الرائحة ببعض الدوار والغثيان.. وكان هناك في القرية أشخاص يرقصون ويضحكون…همهمات لم أعلم ما هي… نظرت إلى زوجتي التي كانت تقف بجانبي فلم أجدها..امتلأ قلبي بالفزع والخوف…أخذت أبحث عنها… كل من يراني كان يضحك بشكل مستفز.. أخذت أسألهم عن زوجتي.. لم يجبني أحد…فقط يرقصون ويضحكون… حتى جاء أحد منهم وأخذ يتكلم معي ب لغة غريبة لم أفهم منها شيئا… ثم أشار لي هذا الغريب إلى أحد بيوت القرية… دخلت البيت ورأسي يكاد ينفجر من الرائحة الغريبة.. حينما دخلت البيت وجدت غرفتان الأولى كانت فارغة أما الثانية كان فيها تسعة أشخاص يحيطون بجسد ملقى على الأرض.. كانوا أقزام عراة…لا تغطي أجسادهم أي قطعة ثياب…جلودهم كانت كالمسلوخة… أو المحروقة…كان الجسد الملقى بينهم على الأرض جسد زوجتي… كانت عارية ممزقة الملابس.. الدماء تسيل في كل مكان من جسدها…حينما رأيت هذا المنظر صرخت وهجمت عليهم لكن…قبل أن أصلهم فقدت وعيي…
حينما أفقت كنت ملقى بجانب سيارتي… نهضت أبحث عن زوجتي فلم أجدها… بحثت عن الدرج الكبير وعن القرية لم أجد شيئا…
دخلت سيارتي ووجدت هاتفي وهاتف زوجتي بداخل السيارة و بدأت بالبكاء كالأطفال وعدت أدراجي.. عدت إلى بيتي..
حينما وصلت بيتي…حاولت مسك أعصابي… اتصلت بوالدي وطلبت منه الحضور.. وحينما وصل أبي قصصت عليه كل ما حدث معي…أخبرني أن علينا إبلاغ الشرطة بما حصل.. وبالفعل ذهبنا إلى قسم الشرطة…
3
أخبرت الضابط كل ما حصل معي… وأخبرته عن اختطاف زوجتي… حينما أخبرت الضابط عن اسم زوجتي…جحظت عيناه وطلب مني أن أعيد عليه اسمها فقلت له اسمها مرة أخرى…قام الضابط من مكتبه مفزوعا وأخرج ملفا من الخزانة الموجودة في غرفته وقال لي.. هل هذه هي هبة زوجتك.. وأشار إلى صورة مكبوبسة على الملف…
نظرت الى الصورة الموجودة على الملف ثم نظرت إلى أبي الذي كان مذهولا مثلي وقلت للضابط نعم هذه صورة زوجتي…قال الضابط لنا هذا مستحيل فهذه الفتاة وجدت منذ ستث شهور مقتولة بعد أن تم اغتصابها في احدى المناطق النائية عن المدينة…
4
ذهبت إلى بيتي كالمجنون… وشغلت شريط عرسنا… كان جميع المدعوين صورهم ظاهرة بالفيديو إلا صورة زوجتي… أعدت الشريط أكثر من مرة لم أجد أي مقطع في الفيديو يظهر صورة لزوجتي… كدت أجن…ذهبت إلى الجمعية التطوعية التي كانت زوجتي هبة تعمل بها.. وسألت الموظفين عنها…أخبروني أنها وجدت مقتولة منذ ستة شهور في أحد المناطق…
ماذا يحصل… كيف تكون قد ماتت.. لقد رآها كل من حضر عرسي وأولهم أبي… لم أجد تفسير لهذه الحادثة.. شعرت بالفزع والضيعان والتوهان والجنون…هل يعقل أني أحببت وتزوجت امرأة ميتة.. أخرجت عقد الزواج لأتأكد من اسمها فقد أصابني الشك… كان بالفعل اسمها صحيح…اقترح أبي أن نذهب لمكان دفنها حتى نتأكد أنها بالفعل قد ماتت… توجهنا إلى مقبرة المدينة أنا وأبي وذهب الضابط معنا… حفرت قبرها وكانت الجثة بداخلها.. الغريب في الأمر أن الجثة كانت كما هي كأنها ما زالت حية… يبدو أنني أحببت وتزوجت أمرأة ميتة أو جنية… بعد هذه الحادثة بقيت شهر في البيت لا أغادره.. حتى أبي وحتى من حضرو عرسي شعروا بالفزع الشديد…وكل شخص فسر الأمر على هواه…
انتشر خبر هذه القصة في المدينة كلها… البعض صدقها والبعض الآخر اعتبرها خرافات…كل ذلك ليس مهما… المهم ما وجدته داخل حمام بيتي بعد عدة أشهر من الحادثة… فقد كتب على مرآة الحمام بقلم الحمرا الخاص بزوجتي “لا تتركني” …
5
طرق باب بيتي شخصان… الأول كان أبي والثاني شخص يدعى الغراب الأسود… أحضر أبي شخص يقال له الغراب الأسود… لا أعلم سبب تسميته بهذا الاسم.. ربما لأن بشرته كانت سوداء كاحلة أو لأن صوته كان كنعيق الغراب… بغض النظر فقد كان هذا الشخص مشهور جدا بالسحر وأمور العالم الآخر…قصصت كل ما حدث معي لهذا الرجل الغريب..أخبرته قصتي كاملة من البداية حتى النهاية…وحينما انتهيت قال لي الرجل الساحر.. أن قرية خثرود هي قرية يسكنها جان محكومين وإن هذه القرية أو السجن أو المنفى بناه أحد ملوك الجان بمساعدة ساحر إنسي وذلك قبل 200 سنة.. هذه القرية عبارة عن سجن أو منفى لمجموعة من الجان العصاة المتمردين وتم نفيهم من عالم الجان وعالم الإنس… أي أن هذه القرية موجودة بين عالم الإنس وعالم الجن.. ولا يمكن لأحد دخولها سواء من الإنس أو الجن إلا إذا كان على علم بطلاسم معينة يملكها ملك الجان والساحر الذي ساعده في بناء تلك القرية…..
توقف الساحر عن الكلام ثم وقف وقال لي أرني المرآة التي كتب عليها لا تتركني…
توجهنا إلى الحمام نظر الساحر إلى المرآة… ثم قام بإزالة المرآة من مكانها… وهنا لاحظنا وجود كلمات مكتوب على الحائط مكان المرآة… كانت كلمات سريانية..قال لي الساحر أتعلم ما هذه… هذه الكلمات هي مفتاح الدخول لتلك القرية…
6
توجهت مع الساحر للمقبرة التي دفنت فيها زوجتي… حفرنا القبر وأخرجنا جثتها ووضعناها في السيارة… ثم توجهنا إلى المكان الذي اختفت فيه… بعد خمس ساعات تقريبا وصلنا إلى المكان.. تلك الصحراء النائية.. أخرجت جثة زوجتي من السيارة ووضعتها على الأرض… بدأ الساحر بكتابة طلاسم ورسوم غريبة حول الجثة…ثم بدأ بقراءة الكلمات السريانية التي كانت على حائط حمامي خلف المرآة… حينما انتهى رأينا أضواء الشموع… فتحت البوابة وظهر الدرج الطويل… بدأ جميع الجان الموجودين في هذه القرية بالخروج…أحاطونا وبدأو بالإحتفال.. ذلك الساحر قام بتحريرهم… لم يبق أحد داخل القرية… اختفى الساحر واختفى الجان الذين خرجوا من القرية وهربوا… بقيت وحدي مع جثة زوجتي…
نزلت الدرج وتوجهت إلى القرية.. لم أجد أحدا.. لقد هرب الجميع… توجهت إلى البيت الذي كنت قد رأيت زوجتي فيه…
داخل البيت وجدت امرأة مقيدة… كانت تشبه زوجتي… قمت بفك قيدها وبرمش العين كانت قد اختفت..تبا لي وتبا لتلك القرية وتبا لذلك الساحر الغراب الأسود…
خرجت من القرية لأجد زوجتي قد أفاقت…تنتظرني.. اقتربت مني وقامت بحضني… فقدت وعيي من فوري
7
أفقت بالصباح على صوت زوجتي هبة… وحينما رأيتها ابتعدت عنها.. كنت مفزوعا…مرعوبا… نظرت لي زوجتي وقالت لي.. رامي خير ان شاالله ما بك…هيا انهض حتى تأخذ حماما ساخنا ونذهب لزيارة والدك… أنسيت اليوم هو الجمعة.. الساعة أصبحت الحادية عشر… والدك ينتظرنا… هيا
لم أتحدث معها… ذهبت الى الحمام…نظرت إلى المرآة كانت نظيفة… أزلت المرآة من مكانها… لم أجد أي كتابة… أيعقل أني كنت أحلم.. أيعقل أن يكون كل ذلك حلما…
بعد أن صليت الظهر في المسجد… أخذت زوجتي وتوجهنا الى بيت أبي..
تناولنا الغذاء مع أبي… كانت الأمور على ما يرام.. يبدو أنني كنت أحلم… في المساء قالت لي زوجتي.. رامي هيا بنا لنذهب لقرية خثرود… لقد وعدت أن توصلني…
خرجنا من منزل والدي وتوجهنا إلى تلك القرية قرية خثرود… لقد كانت القرية قريبة من مدينتنا… خلال ساعة كنا داخل القرية..تجولنا أنا وزوجتي داخل القرية.. بالفعل كان سكان القرية فقراء جدا… تحدثنا مع بعضهم ووعدناهم بالعودة غدا ومساعدتهم…. عند خروجنا ركبت زوجتي السيارة… أخذت أنظر للقرية ما زلت لا أصدق أنني كنت أحلم… وحينما ركبت السيارة وقمت بتشغيلها… سمعت صوتا يقول لي مع السلامة يا سيد رامي.. نظرت لمصدر الصوت… لقد كان الغراب الأسود ذلك الساحر….بسرعة البرق خرجت من القرية..
لغاية الآن لا أعلم إن كانت تلك الأحداث حلما أم واقعا