العاصمة

احترس من لسانك

0

اسلام محمد

للكلمة أهميتَها في دين الإسلام، فقد ترفع صاحبها أعلى الدرجات، وقد تهوي به في النار دركات، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». بالكلمة رفع الله أقوامًا، وحط بها آخرين، ، فبالكلمةِ يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرَّق بين الحلال والحرام، وبها تنفَّذ الأحكام، وبها تُستحَلُّ الفروج وبها تحرم، وبها يجلد القاذف، وبها ينطق الشاهد، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنْهى عن المنكر، وبها يقرأ القرآن، ويسبَّحُ الرحمن، وبها يجرح اللئيم، ويعدل الكريم، وبها تثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وبها تشتعل الحروب وبها تتوقف، وبها يتم البيع وينفسخ. احذر من لسانك فإنه يوقعك في المهالك – قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانةَ فذَكَرَ من كثرةِ صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤْذِي جيرانَها بلسانِهاقال هيَ في النارِ قال يا رسولَ اللهِ فإنَّ فلانَةَ فذَكَرَ من قلَّةِ صيامِها وصلاتِها وأنَّها تصَّدَّقُ بالأثْوارِ من الأقِطِ ولاتُؤْذِي بلسانِها جيرانَها قال هي في الجنةِ . عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: «لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله تعالى عليه: تعبدُ الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت»، ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقـة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل» ، ثم تلا:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}[السجدة: 16].

ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد».

ثم قال: « ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟»فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كف عليك هذا»، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائدُ ألسنتهم»؛(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). إن من ينظر إلى واقع الناس في المجتمع تجد أنهم يطلقون لسانهم في ما لا فائدة منه؛ بل في غيبة ونميمة وكذب ولغو وباطل ونشر للإشاعات …..إلخ؛ وهذا شائع وكثير في مجامع الناس ؛ سواء في وظيفتهم أو تجارتهم أو زراعتهم أو صناعتهم أو مجالسهم العامة !!
عباد الله : إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وسبق أن وقعت في تاريخنا الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان جزءاً كبيرا منها بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع وقتئذ ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه .
لذلك ينبغي على كل إنسان أن يحفظ لسانه ولا يتكلم إلا بخير وإلا فالصمت أولى؛ وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت – إذا كان الكلام يجلب شرا – شعبة من شعب الإيمان ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(متفق عليه)

إن حفظ اللسان نجاة للعبد في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: ” أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ؛ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ؛ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ “(الترمذي وحسنه).
وقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه من خبيث الكلام؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ” (البخاري).
أحبتي في الله: إن صلاح اللسان صلاح لأعضاء الجسد كلها؛ وفساده فساد لأعضاء الجسد كلها؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرفُوعاً قَالَ إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعوججت اعْوَجَجْنَا”[ الترمذي بسند حسن ].
لذلك عد الرسول صلى الله عليه وسلم طيب الكلام من الصدقات حيث قال: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» ( متفق عليه).
اعلموا أن الكلمة الطيبة حجاب ووقاية من النار يوم القيامة؛ فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ؛ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ؛ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”(متفق عليه).
لذلك دعانا صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، والبعد عن السَّبِّ واللعن. ففي سنن الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».
والطعان: الوقَّاع في أعراض الناس، واللعان: كثير اللعن. والفاحش: الذي يتكلم بما يثير الشهوة. والبذيء: الكلام الذي يحمل عليه عدم الحياء. وفي هذا الحديث فائدة: أن الطعن والجرح كما يحدث بالسيف والسنان يحدث باللسان، فالأول جرح حسي، والآخر جرح معنوي، ولربما كان الجرح المعنوي أشد مرارة وأكثر ألماً من الحسي.: أبدلوا مجالسكم واجتماعاتكم بالكلم الطيب فهو سريع الصعود إلى الله؛ فالكلمة الطيبة تنساب انسياب الهواء، فتعطر الأرجاء، وتطيب الأنحاء، وتلطف الأجواء، وتصعد إلى السماء، تجاوز السحب، وتشق الحجب، مشتاقة لربها، وإليه مستقرها ومستودعها؛ قال الله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10]. قال ابن كثير رحمه الله: “وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} يعني: الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف؛ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صَعد بهن إلى السماء، فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل، ثم قرأ عبد الله:
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}” [تفسير ابن كثير ]؛ وفي الأثر عن عمرَ وأبي الدرداء – رضي الله عنهما -: قال: “والله لولا أن أجالسَ إخوة لي ينتَقُون أطايبَ القول كما يلتقط أطايب الثمر، لأحبَبْتُ أن ألحق بالله الآن”.

اترك رد

آخر الأخبار