يولد الإنسان موهوبا في جميع مناحي الحياة ولكن مايسره الله له ينبغ ويسود في عاداته وخلايا جسمه نموه العقلي ويلح عليه مرارا وتكرارا منذ طفولته حتى يكون نازعا له تجاه تحقيق هذه الموهبة فيبرز فيها ويعلو شأنه ويتميز عن الآخرين فيها وينفع بعلمه وموهبته نفسه وأهله وبلده والعالمين ولا يلتقطها ويلحظها إلا كل ذو بصيرة وحاذق
وليس صدفة أننا من بلد زراعية بالأساس وكل أعمالنا زراعة سواء قولا أو عملا فالنبات لولا رعايته ما كان ليصبح شجرا له ثمر وعمل الصالح زراعة أيضا وعمل الخير زراعة ومن هنا تولي المواهب بالرعاية هي نعم الزراعة ولما اهملنا الزراعة استوردنا قوتنا من غيرنا فتحكموا فينا
وتركنا النبتة ( الموهبة ) شاخت وماتت قبل أن تكبر وتثمر واستوردنا علومنا من اعداءنا حتى جعلونا في أسفل مراتب حياتيه ولذا كان حديثي اليوم عن المواهب ولابد من المصارحة والمكاشفة ولا أقول شفافية فهي أصبحت ممجوجة ولا طعم لها
ولكن هل رعاية الموهوبين في بلادنا هي بالشكل الصحيح ؟
هل لدينا ثقافة تنمية المواهب ومعرفتها وكشفها في بواكير العمر منذ نعومة الأظافر للطفل والأخذ بيدها لنضعها على الطريق الصحي ونصقله بمعارف والخبرات ونجعله في فترة قصيرة من عمره يجتاز ما اجتاز منه الآخرين – هل عندنا إحصائية بأصحاب المواهب من جيل أو دفعة أو جيلسابق او خريجين لاحقين !!
هل نوفر في مدارسنا مناخ يساعد على نمو هذه الظاهرة وتسود بين الناس بحق وليس بطريقة ( الشو الإعلامي والإعلاني ) المكتسب من جيب الشباب مقدما
وما فائدة أن ندعم موهوبا ..؟!!
تعالوا بنا نستعرض في عجالة كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم كان يراعي بموهوب الله له أصحاب المواهب والقدرات المميزة للصحابة وأهل بيته فوضع كل واحد بميزته في مجاله الذي ينبغ فيه ويترعرع ويعمل بحب واجتهاد لراحته النفسية ولتوافقه مع ما وهبه الله من فطرة موافقة للموهبة فنجحوا وزادت وحدتهم وتآلفهم وحبهم وكل واحد عمل فيما يحب ولو كلفهم الرسول بما لا يحبون لأستجابوا أيضا برضا ولكن سيكون رضا أمر وطاعة لرسول وليس فيها شبه راحة للدنيا وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم الدنيا حلوة خضرة
ثم من بعده كان التابعين من بعد الصحابة زرعوا في نفوس المسلمين ما يساعد الناس على إخراج ابدعاتهم لكي تنعم بهم الأمة وتعلو ويعلو شأنها بين الأمم حتى برع من في الحفظ وبرع من برع في الترجمة وغيره في التطبيب وغيره في الفلك وغيره في وضع خطط الدفاع عن النفس وغيره في بث الروح المعنوية للعيش في الكرب والمسرة على مايرضي الله بدون صخب ولا خروج كلمة واحدة تغضب الله ومن حوالي قرن من الزمان كان ما يسمى بالحسبة وأناس من ذوي المال كانوا يتبنون النوابغ في قراهم ومدنهم بالصرف عليهم وتحمل تكلفة تعليمهم حتى يتخرجوا على يد المعلمين وياخذون ما كان يسمي الإجازة لممارسة ما تعلمه ويعود بالنفع على باقي أهل بلادنا
فهل يرجع أي عهد من هذه العهود و نجد بيت مال يجمع فيه صدقات المسلمين الذين يخافون الله والذين يخرجون حق العباد في أموالهم لنعمل مشارع عمل ومشاريع إنتاج بدل ما هو حاصل ونحن عالة على الأمم
هل يرجع الموظف محب لوظيفته ويذهب لها قبل موعد العمل بنية قضاء مصالح العباد حتى ولو لم يأخذ جنيها هل يرجع الإمام والخطيب كعالم ينير الأمة الصغيرة في قريته أو غزبته أو نجعه أو حتى مدينته ويكون ملما بالعقيدة الإسلامية الصحيحة لا متأخون ولا متصفون ولا متسلفن ولا متشيعن حتى يكون هاديا مهتديا على حق ويعبدون الناس الله على بصيرة وعلم بدليل كتاب وسنة صحيحة بدل الهرتقة والخزعبلات التي اغرقوا المواطنين في بحارالجهلاء الدهماء الرويبضة
هل يرجع الطبيب فخارا لبلده كما كان قديما ليتباهي أهل قريته به ليكون ملاذ خير وملاك رحمة ولا يكون كبعض الأطباء سفاحا همه ودينه ومذهبه كيف يخرج النقود من جيب الزبون ويدخله في متاهات حتى يستنزفه وكأنه بينهم عداوة ويقطع جسده بين أشعة وتحليلات وفحوصات وربما هو لا يحتاجها ولكن لأن بعضهم يتعامل مع الأماكن هذه بالعمولة فهو يريد ان لا يكتفي بفيزاته فقط بل كل يوم تأتيه الأظرف معبأة بالعمولات من الصيدليات وشركات الأدوية والمعامل ومراكز الأشعات
هل سيرجع المعلم ليكون مثل أخلاق وقدوة وصالح تعامليا ليخرج لنا جيلا يحملون راية التنوير بحق فلسنا نحتاج لتنوير العري وتفاهة ومسخ الرجال وضياع الهوية وتاريخ 7000سنة بحجة حرية وديمقراطية من صنعوها لم يصدقوها أصلا ولم يعملوا بها ولكنها اختراعات لتدمير الشعوب ووسيلة ضغط كبيرة فنريد المعلم المثقف الفاهم الواعي الذي يعلم ما يريده الله منه ويريده من وظفوه في هذه الوظيفة التي هي بعد الرسل أمام مسجد ومعلم لطلابه فهي قيمة لمن عرف قدرها
هل سيرجع الإعلامي المثقف الناصر لدينه ووطنه ملبيا لرغبة المشاهدين العقلاء وليس ملبيا لشهوات اهل الشر ومن مثيري الشغب والتسطيح والتخوين وضرب في الأعراض.
وغيره من كل مجالات الحياة نريد مؤسسات تدعم الموهوبين وخاصة أنهم أكثرهم من الفقراء والمعوذين لا مال يسندهم ولا سلطة تدعمهم وتخرجهم للنور
أمريكا أول بلد جعلت الموهوب صاحب سلطة هو يقود المؤسسة التي هو يعمل بها حتى ولو لم يكن أمريكيا فهذا حافز معنوي يجعله يخرج ما عنده ويبدع ولا يتكاسل ولا يجد مصاعب في حياته الزوجية أو الأبناء هم يقومون بالنيابة عن الموهوب في جعل حياته مرتاحة حتى يبدع وقد كان فعلا ونجحوا بإمتياز
الطامة الكبرى
أما في بلادنا وللأسف السخرية من الأهل وثم الجيران ثم المسؤلين ثم وثم وثم حتى ان بعض من هو مصر على تحقيق حلمه يخرج من الوطن وفعلا يحقق ذاته وبعد رجوعه يتصورون معه صورا تذكارية ويفتخرون به وينسون أنهم كانوا يوما من الأيام معول هدم له لولا أن الله سلم والمجال واسع وكثير ولكن أرجو أن يكون ما ذكرته كاف لفهم حقية المواهب وما تعانيه وما تحتاجه والشكر لله أولا وأخرا