أشهر وأخطر جاسوسة عربية للموساد
إيمان العادلى
الحلقة الخامسة
نعم تزوجت أمينة المفتي من فتاها اليهودي موشيه بيراد وغيرت اسمها إلى “آني موشيه بيراد”، ولكنها لم تشعر أبدا بالأمان وراحة البال التي كانت ترنو إليهما، فقد سهرت أمينة/آني ليال طوال يجافيها النوم، فقط لأنها كانت تخاف أن يعثر عليها أهلها أو يراها أحد معارفها ويدلهم عليها، كما كانت تشعر دوما بأن جهاز الإستخبارات الأردنية يقتفي آثارها بتعليمات من عمها الضابط الكبير بالقصر الملكي الأردني، لذلك أصبحت تكره وتمقت كل ما يمت بصلة للعرب جميعا.
ووسط ما كانت تعانيه وفي صيف سنة 1972 شاهدت مع زوجها جريدة نمساوية فتصفحتها فإذا بها تجد داخلها إعلانا عن طلب دولة إسرائيل هجرة اليهود من جميع دول العالم إليها، وكأنها كانت تصارع الغرق ووجدت أخيرا طوق النجاة، فقامت على الفور بالاتصال بسفارة إسرائيل بفيينا واستعلمت منهم على الإعلان المنشور وتحدثت معهم في كافة التفاصيل.
وبالفعل تحدثت أمينة/آني مع زوجها عن السفر والهجرة إلى تل أبيب، وكيف أن هذه الهجرة ستعود عليهما بالكثير من المميزات المادية والمعنوية، فهما سوف يحصلان على معونة كبيرة من دولة إسرائيل، بالإضافة إلى أنهما سيتم منحهما فيلا رائعة وسيارة حديثة، والأهم من ذلك كله أن هجرتهما لدولة إسرائيل ستحميها من المخابرات العربية كلها، كما ستحميها من مطاردات أهلها لها.
وهكذا تمت هجرتهما من فيينا إلى إسرائيل، حيث هبطت الطائرة التي أقلتهما من فيينا في مطار اللد بالأراضي العربية المحتلة في يوم 19 نوفمبر 1972، وتم استقبالهما هناك استقبالا أسطوريا، وعاملوا أمينة/آني وكأنها إحدى نجمات السينما أو كما لو كانت شخصية مشهورة.
وسكن الزوجان المهاجران بفيلا رائعة مينية من الخشب وعلى الطراز الإنجليزي في بلدة لا يبعدها عن جنوب تل أبيب سوى 15 كيلو متر، وتم إهداؤهما سيارة مرسيدس من الحكومة الإسرائيلية، كما تم منحهما جوازي سفر إسرائيليين وذلك بعدما قام المسئولون الإسرائيليون بسحب جوازي سفرهما النمساويين منهما، وهكذا أصبح موشيه بيراد وزوجته آني موشيه بيراد مواطنين إسرائيليين، وبعدها تم ضم موشيه بيراد للعمل بسلاح الجو الإسرائيلي كطيار مقاتل.
وتمر أيامهما في تل أبيب حتى يأتي يوم 29 يناير 1973، ويطير موشيه بيراد بطيارته القاذفة الهجومية الخفيفة اسكاي هوك Sky Hawk شمال إسرائيل، ويجتاز الأجواء السورية وتسقط طائرته قاذفات الدفاع الجوي السوري بصاروخ أرض/جو، وأعلنت سوريا عن إسقاطها الطائرة التي اخترقت مجالها الجوي، وأن الطائرة قد احترقت بقائدها، بينما أعلنت إسرائيل عن إصابة الطائرة وسقوطها وفقدان قائدها.
وحينما علمت أمينة/آني بما حدث صدمت وانهارت ولم تقدر قدماها على حملها، فها هو حبيبها موشيه بيراد قد فقد، وضاع سندها الوحيد في الحياة، وتم إدخالها إحدى مستشفيات الأعصاب حيث ألجمت الصدمة لسانها فأصبحت عاجزة عن النطق، وظلت تعالج من هذا المرض لما يقارب الشهرين.
وبعد أن أفاقت أمينة/آني من صدمتها وخرجت من المستشفى ضبت جام غضبها على العرب جميعا، فحسب اعتقادها العرب هم الذين أرهقوا أعصابها في صباها بالأردن، ثم طاردوها وأقلقوا راحتها في شبابها في فيينا، ثم أخيرا هم الذين ضيعوا حلمها وقتلوا زوجها بعد هجرتها إلى تل أبيب، ووصفت العرب بأنهم آفة مستقبلها المظلم، وأنهم هم سبب فجيعتها في زوجها وحبيبها.
ولذلك تضاعفت كراهيتها للعرب، وتمنت أمينة/آني أن لو استطاعت الانتقام منهم جميعا،
بعد ما حدث لزوجها شعرت أمينة المفتي التي أصبح اسمها آني موشيه بيراد أن وجودها في إسرائيل لم يعد له سبب، فقد كان هو كل حياتها، لذلك قدمت طلبا للسلطات الإسرائيلية ليسمحوا لها بالسفر إلى سوريا ولبنان لتقصي أخبار زوجها موشيه بيراد والبحث عن خيوط أمل توصلها إليه، فهي في قرارة نفسها تشعر أنه ما زال حيا، فربما أصيب ووقع في الأسر، وربما سقطت طائرته في منطقة نائية وهو موجود حاليا يصارع من أجل البقاء، لذلك كله طلبت وألحت في الطلب ليسمحوا لها بالسفر والبحث عنه.
وكان عليها أن تعود إلى فيينا مرة أخرى قبل أن تبدأ رحلتها إلى سوريا ولبنان للبحث عن زوجها المفقود، وقامت بإخبار أسرة زوجها بأنها عزمت على السفر والبحث عنه، وفي نفس الوقت اتصلت أمينة المفتي بصاحبة المسكن القديم الذي كانت تقيم به في فيينا وطلبت منها أن تخبر أي أحد من أسرتها يأتي ويسأل عنها بأنها هاجرت إلى مدينة ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل، وأنها استقرت وتعمل هناك وأنها قد استقام لها الحال في أمريكا اللاتينية.
وفي يوم 19 أبريل سنة 1973 سافرت أمينة المفتي إلى دمشق بجواز سفرها القديم، وهناك نزلت في فندق الشرق، ولكنها وجدت شوارع دمشق في ذلك الوقت تموج بعشرات من رجال الأمن ولم تقم أمينة المفتي بسؤال أي أحد عن زوجها، بل اكتفت بالقيام بجولة في عدة أماكن مثل المسجد الأموي بدمشق ومدينة الغوطة وساحة المرجة والزبداني وغيرها.
وبعد ذلك سافرت أمينة المفتي إلى بيروت والتي تجولت فيها بحرية تامة ودون حذر أو خوف، فقد كانت بيروت في ذلك الوقت ساحة للتحرر والانفتاح، وتعرفت هناك بامرأة أردنية الأصل تمتلك محلا للملابس اسمها “خديجة زهران”، وزارت أمينة المفتي عددا من مراكز تجمع الفلسطينيين في بيروت وحاولت مصادقتهم بغية معرفة مصير زوجها عن طريقهم، لكن باءت جميع محاولاتها بالفشل، فلم تصل إلى أي معلومة تفيدها في معرفة مصير زوجها المفقود.
وهكذا عادت أمينة المفتي تجر أذيال الخيبة إلى فيينا دون معرفة أي شيء عن زوجها المفقود، وبينما هي في حزنها ويأسها إذ بثلاثة رجال من السلطات الإسرائيلية هبطوا عليها بفيينا وأخبروها بأنهم أتوها ليخبروها بإرثها عن زوجها وأنها أصبحت تمتلك وحدها نصف مليون دولار، ثم طلبوا منها التعاون معهم حتى يستطيعوا جلب أي أخبار عن زوجها موشيه، وحاولوا التأثير عليها بتذكيرها بمأساتها بفقدها لزوجها، وركزوا أكثر على حاجتها للمال وكراهيتها للعرب، فوافقت على الفور دون أدنى مقاومة أو استفسار، فقد كانت أمينة المفتي مستعدة للتعاون مع الإسرائيليين كراهية في العرب فقط ودون أي مغريات.
وهكذا بدأوا يعدون أمينة المفتي لتكون عميلة للموساد، فأعدوا لها دورة تدريبية مكثفة استغرقت شهورا، وتعلمت خلالها كل طرق وأساليب التجسس المختلفة من تصوير وتشفير والتقاط الأخبار والتمييز بين الأسلحة واستخدامها، وكيفية الالتزام بالحس الأمني، كما علموها كيفية تحميض الأفلام والهروب من المراقبة وكيفية تخزين الأرقام والمعلومات، وكان أهم شيء دربوها عليه هو كيفية استخدامها للجنس والإغواء بقصد جلب الأسرار والأخبار لا بقصد المتعة.
وهكذا تم إعداد الجاسوسة أمينة المفتي للذهاب إلى بيروت مرة أخرى، ولكنها لم تكن بقصد البحث عن زوجها مثل رحلتها الأولى، بل كانت رحلتها هذه المرة بقصد الانتقام لزوجها.
فهل ستنجح أمينة المفتي في مسعاها ذلك، وماذا ستفعل في بيروت هذه المرة، هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله فانتظرونا.
المصادر
خطاب معوض خطاب
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.